No Script

إلى أي مدى ستذهب أميركا بمواجهة روسيا... في أوكرانيا ؟

تدريب عسكري أوكراني في خاركيف (رويترز)
تدريب عسكري أوكراني في خاركيف (رويترز)
تصغير
تكبير

مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022، أُفرغت السفارات الأجنبية في كييف تحسباً للقوة التدميرية الروسية وللانتصار السريع والساحق المتوقَّع.

إلا انه سرعان ما اتضح لأميركا ان الجيش الروسي غير مستعدّ ولم يكن مُجَهَّزاً لشنّ حرب على دولة استعدّ أبناؤها للاستماتة في محاربة جيش موسكو.

وأظهرت القوات الأوكرانية التي درّبتْها الولايات المتحدة منذ عام 2014 درايةً جيدة بتكتيكات الحرب الحديثة واستطاعت، مع حلفائها الغربيين، اكتشاف نقاط ضعف الجيش الروسي وضرْب خطوط إمداده اللوجستية.

ووعدت واشنطن، حكّام كييف بضم دولتهم إلى حلف «الناتو» والتحالف الغربي بمجرّد الانتصار على روسيا. إلا ان الجباريْن يتصارعان وفي حساباتهما انهما لا يتحملان الخسارة، وبناء عليه يبقى الخوف من تصميم الولايات المتحدة على تصعيد الحرب لإجبار موسكو على استخدام أسلحة غير تقليدية.

في الأسابيع الأولى قبل بدء المعركة، سارعتْ أميركا لإنشاء مركز عمليات مشترك في قاعدتها الجوية في رامشتاين الألمانية لرصد وتوجيه المجهود الحربي وللتخطيط لقطع روابط التجارة والطاقة بين موسكو وأوروبا.

وعملت الديبلوماسية الأميركية بلا كللٍ، لإقناع وترويض القادة الأوروبيين الذين تردّدوا بدايةً في معاداة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ودفعتْهم لحشْد مواردهم العسكرية وراء واشنطن لاتخاذ موقفٍ معادٍ لموسكو ووُعد قادة أوروبا، الاستعماريون القدامى، بتقاسُم الغنائم بعد اندحار روسيا على قاعدة أنها تواجه حرباً شبيهة بما حصل بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979 وتفكّك الدولة العظمى.

وتنبأت أميركا بأن روسيا ستُقسّم إلى دويلات وان مواردها الطبيعية سيتم توزيعها على الرابحين، وأن بوتين سيُستبدل برئيس أكثر قرباً من الغرب. وقد انجرّت أوروبا خلف الوعود، خصوصاً ان أعوام «كوفيد - 19» والعبء الاقتصادي أرهقها. وساهم في إقناع أوروبا بالسير خلف الوعود الأميركية الأداءُ الروسي العسكري الضعيف في الأشهر الأولى من الحرب.

ومع ذلك، لم تَسِر الحرب كما خططت له القيادتان الأميركية والروسية بسبب فشل الطرفين في تحقيق أهدافهما.

وقد تجلت الأسباب الواضحة التي دفعتْ أميركا بثقلها إلى الحرب في تصريح واضح للرئيس جو بايدن الذي أعلن ان «الحرب لا تتعلّق بأوكرانيا. انها (وحدة) أوروبا الشرقية. انه (إعادة الحياة إلى) حلف شمال الأطلسي».

وتالياً فان أميركا مستعدة لبذل كل الجهد واستخدام جميع الأساليب لمواصلة الحرب وحتى لجرّ روسيا إلى معركةٍ تستخدم فيها السلاح النووي لإقناع 75 في المئة من الدول التي فضّلت الوقوف على الحياد بتغيير رأيها.

ونجح بايدن في تجميد فكرة أوروبا بالاستغناء عن «الناتو» - كما كان لوح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإرجاء تجهيز جيش أوروبي لا يَعتمد على أميركا، وأبقت واشنطن مئات قواعدها العسكرية التي كانت أنشأتْها بعد الحرب العالمية الثانية في القارة الأوروبية إلى يومنا هذا.

ومدّت الولايات المتحدة، أوكرانيا بالسلاح المناسب بعد تحليلات عسكرية دقيقة يقوم بها يومياً، مسؤولون عسكريون من 50 دولة في رامشتاين الألمانية، ومن خلال هذه القاعدة تخرج تعليمات الدفاع والهجوم والعمليات التخريبية.

وقد أكدت وكيلة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الخارجية فيكتوريا نولاند في منتدى كييف الأمني، ان بلادها «كانت تستعد وتحضّر للهجوم المضاد ضد روسيا منذ 4 إلى 5 أشهر».

وحتى لو ألقي اللوم على أوكرانيا أو الانفصاليين الروس، فإن الغرفة المشتركة في ألمانيا هي التي تأمر بضرب أهداف في مدن روسية عدة وحتى ضد موسكو.

وتَستخدم أميركا «حرب العصابات» من خلال وكلاء أوكرانيين، بدل الجهاديين أيام الثمانينات ضد الاتحاد السوفياتي السابق. وهي تهدف إلى إذلال روسيا وإبقائها في المستنقع الأوكراني لأطول فترة ممكنة حتى ولو فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها بعد 15 شهراً من القتال.

هذا على الأقل ما أكده الجنرال الأميركي كريستوافر كافولي، القائد العام للجيش الأميركي في أوروبا وأفريقيا، حين قال ان «القوات الروسية أُنهكت ولكنها أصبحت أكثر عدداً عما كانت عليه في بداية الحرب. وهذا يشير إلى ان روسيا تستعدّ لحرب طويلة متعددة الجبهة ولحماية حدودها في القطب الشمالي بعدما انضمت فنلندا إلى حلف الناتو، ويتوقع ان تحذو السويد حذوها بعد موافقة تركيا».

وأكد كافولي ان «القوات الروسية فقدت 80 طائرة ولكنها ما زالت تملك 1000 مقاتلة وقاذفة مقاتلة، أما البحرية فقد فقدت سفينة واحدة فقط».

ولا يمكن للقادة الأميركيين إنكار ما أشارتْ إليه مساعدة وزير الدفاع الأميركي للشؤون الدولية سيليست والاندر، خلال جلسة اجتماع مشتركة للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب رداً على سؤال النائب جو كورتني، من ان «روسيا تحتفظ بقدرات إستراتيجية كبيرة بما في ذلك القوة الجوية والقدرات السيبرانية والبحرية وان أي سوء تقدير (لقوة روسيا) ستكون عواقبه كبيرة للغاية».

ورغم هذا الاعتراف، لا يحبّذ القادة الأميركيون التكلم عن قدرات روسيا النووية وانها ستعتمد على «الردع النووي» إذا لزم الأمر وضعفت قدراتها التقليدية.

ويبدو ان البيت الأبيض لا يهتمّ لهذه النقطة الحساسة ويزوّد أوكرانيا بصواريخ اعتراضية وهجومية ويتحضّر لإرسال 48 مقاتلة من طراز «إف - 16 إس» من خلال دفع حلفائه لذلك حتى ولو لم تغيّر هذه المقاتلات قواعد اللعبة في مواجهتها مع القوات الجوية الروسية.

ولكن، هل سيُعطي الغرب قنابل مخضبة باليورانيوم لاستفزاز روسيا؟...

حتى اليوم، ما زال بوتين يسيطر على اتجاهات الحرب، إلا ان هناك حدوداً لذلك، وهو بالتأكيد لن يقبل الخسارة أمام تحالف 50 دولة غربية، ما يدفع الصراع إلى منزلقاتٍ أكثر خطورة في حين ما زال مستوى التصعيد الأميركي الأقصى غير واضح عدا عن عزمه على جرّ روسيا إلى حربٍ طويلة الأمد.

إلا ان الانزلاق نحو وضع أكثر دقة وكارثي غير مستبعَد خصوصاً ان احتمال وقوع أخطاء في حربٍ كبرى مثل تلك الدائرة اليوم مرتفع حتى ولو لم يكن مقصوداً... فهكذا تبدأ الحروب الكبرى عادةً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي