No Script

اتجاهات

قمة هيروشيما والصين

تصغير
تكبير

يمكن وصف قمة مجموعة السبع التي انعقدت في مدينة «هيروشيما» اليابانية، بقمة «إدانة الصين» بامتياز. حيث ركزت القمة بصورة شبه تامة، على إصدار تصريحات وبيانات إدانة وشجب واستهجان للصين شملت كل الموضوعات تقريباً.

بدءاً من إدانة التجارة الخارجية للصين، والتي أدانتها القمة تحت مسمى «الإكراه الاقتصادي»، مروراً بإدانة وتحذير الصين في شأن محاولات تغيير الوضع القائم في تايوان وبحر الصين الجنوبي، وصولاً بإدانة ملف حقوق الإنسان الداخلي في الصين.

وحتى في ما يتعلق بالحرب الأوكرانية، ناشدت القمة الصين، بعبارات يغلب عليها الإدانة، بالضغط على روسيا لإيقاف العدوان وسحب قواتها واحترام سيادة أوكرانيا.

تتشكل مجموعة السبع G7 من ثماني أكبر اقتصادات العالم، وتم تعليق عضوية روسيا في 2014 بعد ضم جزيرة القرم، وبعض من تلك القوى الاقتصادية كألمانيا وفرنسا وإيطاليا ترتبط بعلاقات اقتصادية متميزة مع الصين، والبعض الآخر مثل كندا وإنكلترا لا ترتبط بعلاقات جيدة مع الصين.

إذاً، لماذا اتحدت تلك القوى، أو بتعبير أكثر وضوحاً، لماذا احتشدت وراء واشنطن وطوكيو ضد الصين؟ بصورة تبدو وكأن هناك تحالفاً دولياً جديداً في طور النشوء لمحاصرة وتقويض الصين. مع الوضع في الاعتبار أيضاً، أن النهج الأوروبي بصفة عامة تجاه الصين والذي تقوده ألمانيا وفرنسا، قد تميز بالاعتدال والمصالحة وبناء جسور التعاون الاقتصادي.

ولا يخفى على أحد، أن الصين قد أصبحت تثير خوف الكل، داخل المجموعة وخارجها، بل وحتى أقرب حلفائها كروسيا وكوريا الشمالية لديهما مخاوفهما الخاصة حول صعود قوة الصين، وربما ذلك وضع طبيعي في العلاقات الدولية، حيث تنشأ هواجس أمنية عدة لدى الدول عندما تصعد قوى بشكل كبير وتخل بتوازن القوة القائم.

وباستثناء الولايات المتحدة التي تتمحور مخاوفها من الصين حول تهديد زعامتها الدولية القائمة منذ انتهاء الحرب الباردة، تتفاوت مخاوف دول مجموعة السبع، وخارجها، في شأن الصين. فالدول الأوروبية في المجموعة لاسيما فرنسا وألمانيا، تتمحور مخاوفها من الصين، حول هيمنة اقتصادية صينية على أوروبا، قد تفضي إلى فقدان أوروبا لاستقلالها الاقتصادي والسياسي. أما في ما يتعلق باليابان، فيكمن خلافها الرئيسي مع الصين حول النزاعات البحرية في بحر الصين الشمالي.

إذاً، يمكن القول، إن مخاوف الصين على نحو عام، ربما باستثناء هواجس واشنطن، لا تستدعي هذا الموقف العدائي الصارم الذي ظهر في قمة هيروشيما. وعليه، أيضاً، لابد وأن هناك شيئاً مستجداً مختلفاً قد فاقم جرعة الخوف لدى أعضاء مجموعة السبع.

ويكمن السر في الحرب الأوكرانية، وتداعياتها المختلفة والجذرية. إذ يمكننا القول بكل صراحة، إن أبرز تداعيات هذه الحرب، كان التأكيد على رسوخ الصعود الصيني، وما أدل على ذلك هو مناشدة قمة المجموعة الصين تحديداً للضغط على روسيا لإيقاف عدوانها على أوكرانيا. وقد تأكد صعود ورسوخ القوة الصينية في موقفها الصارم تجاه تايوان بعد الحرب والذي قد تجلى مرتين، وربما تلك المسألة تحديداً أكثر ما يخيف دول المجموعة والقوى الكبرى الأخرى كالهند.

وحاصل القول، إن رسوخ القوة الصينية وزحفها للقيادة رويداً رويداً، لابد أن يفاقم مخاوف تلك القوى، ومن ورائها واشنطن التي تؤجج بنجاح باهر من أسطورة «التهديد الصيني». ففي تصور القوى الدولية المختلفة، أن الصعود الصيني سيستتبعه نظام اقتصادي عالمي جديد موازٍ للنظام الدولي النيوليبرالي القائم، ما سيترتب عليه، تغول صيني على الاقتصاد العالمي وفقدان تلك القوى- بما في ذلك القوى الأوروبية - لأدوارها الرئيسية في النظام النيوليبرالي، وفقدان أيضاً للكثير من استقلالها السياسي والاقتصادي.

لاسيما وأن دول العالم، قد أصبحت تتجه صوب توطيد علاقاتها الاقتصادية مع الصين عبر مبادرة طريق الحرير الجديد، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والمنظمات التي تقودها الصين كمنظمة شنغهاي والبركس.

ومن ناحية أخرى، تتصور القوى الدولية المختلفة، أن الهيمنة الصينية ستفضي حتماً إلى سيطرة صينية على بحر الصين الجنوبي وتايوان وخطوط نقل الطاقة في العالم، ما سيسبب أضراراً اقتصادية وجيوسياسية بالغة لتلك القوى.

أخيراً، تحتشد مجموعة السبع وغيرها من القوى الدولية وراء واشنطن-رغم تراجعها العالمي الواضح- كسبيل وحيد لا خيارات غيره، للتصدي للصين والمخاوف المتعددة التي تثيرها، والتي بعض منها صحيح والبعض الآخر مبالغ فيه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي