No Script

خلاف على الفائدة حفّز البحث عن مصادر إضافية توافر الاحتياج من الأموال الصعبة باستقرار أوسع

البنوك تغيّر «تكتيكها» في مغازلة دولار الحكومة... عقدة الغرام المصرفي بودائع «هيئة الاستثمار» تتراجع 60 في المئة

No Image
تصغير
تكبير

- مصارف تتغلّى في طلب الدولار قياساً بالسابق والمؤثّرون يثبّتون أسعارهم
- زيادة رأس المال وإصدار سندات أو صكوك لرفع منسوب الدولار
- استقطاب ودائع خارجية بالتسعير الحكومي نفسه لكن الأجل أطول
- تزايد مصادر اجتذاب الدولار قلّل تعلّق البنوك المحلية بالحبال الحكومية
- مصارف تخلّت بديبلوماسية عن تجديد بعض الودائع لديها لارتفاع فائدتها
- فوائض الأموال تُوجّه لبنوك صغيرة ومتوسطة وبعضها يتدفّق للخارج
- المصارف المضطرة لاتزال تطلب الدولار المستقر ولو بتسعير أعلى من السوق

وُصفت الودائع الحكومية الدولارية تاريخياً بأنها مصدر رئيسي للبنوك المحلية، سواء للتوسع ائتمانياً أو إعادة ترتيب سلم استحقاقاتها، حتى بات السؤال المشروع عند الكثير من داخل وخارج القطاع: هل تستطيع البنوك المحلية في توفير احتياجاتها من الدولار الاستغناء عن حبال المال الحكومي الممتدة معها تاريخياً؟

ولعل ما يُكسب هذا السؤال وجاهة أكثر تنامي العلاقة كثيراً بين البنوك المحلية والجهات الحكومية، خصوصاً الهيئة العامة للاستثمار التي تعد الموفر الرئيس للمستويات العالية من ودائع الدولار للبنوك وبأسعار مميزة، وتحديداً منذ اندلاع الأزمة العالمية 2008 وحتى جائحة كورونا، حيث بدت المصارف الكويتية متعلقة في حساباتها أكثر بوزن الودائع الحكومية كمصدر رئيسي للتمويل.

لكن يبدو أن شيئاً ما تغيّر في المعادلة المصرفية بالفترة الأخيرة، دفع بنوكاً عدة، خصوصاً الكبرى، إلى البحث عن موارد أخرى لتوفير الدولار بعيداً عن الودائع الحكومية، وتحديداً المقدمة من الهيئة العامة للاستثمار، بعد اتساع الفارق بين ما يطلبه مسؤولو الأخيرة من معدل فائدة يعتبر في نظر بعض البنوك مرتفعاً عن المستحق.

تخفيض الاعتماد

وفي هذا الخصوص، كشفت مصادر مصرفية مسؤولة لـ«الراي» أن بنوكاً محلية خفّضت اعتمادها على الودائع الحكومية بالدولار بنسب تتراوح بين 30 و60 في المئة، وذلك من خلال فتح خطوط تمويل دولارية جديدة، تتركز غالبيتها على ودائع خارجية خاصة طويلة الأجل تصل لـ3 سنوات، تحصل عليها من بنوك عالمية مقابل توافر بعض الشروط، منها أنه في حال انخفاض معدل كفاية رأس المال يحق للبنك المانح استرداد أمواله، علماً أن هذه العمليات عبارة عن صفقات إصدارات خاصة بدلاً من إصدارات السندات تنفذ عبر عقود ثانوية، وتكتسي أهمية إضافية بخلاف التسعير الأقل في أنها تحافظ على سمعة البنك باعتبارها غير معلنة التسعير للأسواق مثل السندات.

فضلاً عن ذلك تقوم بعض البنوك باجتذاب أموال عبر اتفاقيات مباشرة مع شركاء دوليين أو بتوفيرها عبر وسطاء متخصصين في تنفيذ مثل هذه الصفقات، وتلجأ أخرى لزيادة تعاملات «الإنتربنك» أو ما يُعرف بسوق ودائع ما بين البنوك، في حين ترفع مصارف رأسمالها سواء مباشرة أو من خلال إصدارها سندات غير مضمونة قابلة للاستدعاء، أو بإصدار سندات وصكوك مساندة متوافقة مع متطلبات الشريحة الثانية لرأسمال البنك (Tier 2)، فيما يأتي هذا التحرك مدعوماً بفوائض السيولة والأصول السائلة المتوافرة مصرفياً.

زيادة الحصص

وأمام ذلك تراجع السباق المصرفي نحو زيادة الحصص من ودائع الحكومة بالعملة الصعبة. وفي هذا الشأن، كشفت المصادر أن بعض المصارف تخلّت عن تجديد أجل شريحة واسعة من ودائع الحكومة لديها بالدولار بسبب عدم قبولها بالسعر المعروض حكومياً، مع المحافظة على شريحة أخرى بهدف تحقيق التوازن، بعكس السابق الذي كانت فيه البنوك تضطر لقبول الفائدة المعروضة على كل دولار حكومي ولو بمعدل أكبر من مستهدفاتها.

ونتيجة حتمية لذلك بات تركيز صانعي سياسة الودائع الحكومية يميل أكثر إلى البنوك المحلية التي تقبل بأسعارها، مع زيادة تحويل فوائض أموالها لبنوك خارجية حفاظاً على جاذبية أموالها باعتبار أنها تتحرك على أساس تنافسي يتطلب تقليل المعروض قياساً بالمطلوب محلياً لأكبر قدر ممكن.

وبينت المصادر أن البنوك لا ترفض مباشرة استقبال الودائع الحكومية، لكنها تستخدم الديبلوماسية في تفادي الحصول عليها من خلال تثبيت أسعارها المطروحة مقابل المعدلات التي تعرضها الهيئة على لسان بنوك أخرى.

منسوب الودائع

أما الدافع الرئيس لتحرّك بعض البنوك نحو تخفيف اعتمادها على منسوب ودائع الحكومة بالدولار في محافظها فليس فقط بسبب تعرضها لانفجار في مصادر الدولار، رغم أهمية هذا الاعتبار، إلا أن ذلك جاء مدفوعاً بارتفاع ما يدفعونه من معدلات فائدة مقابل الوديعة المستقرة.

ودفترياً، تُظهر تركيبة ودائع بعض البنوك تغيراً واسعاً للحدود التي تشي بأن واقع العلاقة بين المصارف المحلية وسياستها التقليدية في الحرص على استقطاب المال الحكومي الرخيص بات أكثر تعقيداً.

لكن لقصّة تناقص منسوب الغرام بين المصارف المحلية والودائع الحكومية بالدولار بداية لم تطرأ فجأة، فمنذ تبنى مسؤولو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في العام 2017 تغيير إستراتيجية المؤسسة بزيادة أوزان محافظها من الأصول المستثمرة على حساب نسب السيولة، بدأت مستويات سيولة «التأمينات» تنخفض من 41 في المئة وصولاً إلى 11.5 في المئة في العام 2020، حيث تم تقدير سحوباتها بنحو 6.5 مليار دينار.

منذ ذلك الوقت، بدأ قلق مشروع يجد طريقه بقوة لدى صانعي السياسة المصرفية ما حفز للبحث عن بدائل أو موارد مساندة، خصوصاً أن جميع البنوك كانت عالقة في شباك الاعتماد على ودائع الدولار الحكومية مدفوعة بتغطيتها جميع الاحتياجات المصرفية، وبتسعير تنافسي للطرفين.

رفع المعدل

وفي الفترة الأخيرة، يبدو أن صانعي السياسة في الهيئة العامة للاستثمار غيّروا خططهم لجهة معدل الفائدة المطلوب جنيه على ودائع الدولار، حيث تحركوا نحو رفع الفائدة لمعدلات جديدة تتناسب مع معدل الطلب المصرفي، لدرجة بات معها مسؤولو المصارف غير مستعدين للاستمرار في مغازلة الجهات الحكومية لاستقطاب أموالها بعد ارتفاع تكلفة أموالها.

وأمام تحدي الخلاف على تقدير التسعير المناسب للفائدة، بدأت البنوك تتغلى في طلب الدولار من الجهات الحكومية قياساً بسلوكها السابق، ليلتزم بعضها، خصوصاً المؤثرين، بقبول الأسعار المتداولة محلياً فقط وليس ما يطلبه مسؤولو إدارة هذه الأموال، مستفيدين من الودائع الأخرى ذات التكلفة المنخفضة قياساً بالأجل الأطول.

وبالطبع، هذا التكتيك المصرفي الجديد لم يكن مدفوعاً بمزاجية مصرفية بل بمحرّكات رئيسية، لعل أبرزها أنه أصبح بالإمكان الحصول على ودائع دولارية أرخص عبر مصادر أخرى، أو أقله بمعدل فائدة متساوٍ مع ما تعرضه الجهات الحكومية لكن بميزة مصرفية إضافية وهي الأجل.

فمعلوم أن الودائع الحكومية تُبوّب مصرفياً على أنها أموال مستقرة ما يمنحها اعتبارات قوة إضافية عن ودائع الشركات والأفراد، إلا أنها في المقابل قصيرة الأجل، إذ تتراوح فتراتها غالباً بين 3 و6 أشهر، بخلاف أعمار المصادر المصرفية الجديدة للأموال التي تتراوح بين 3 و5 سنوات، وهي آجال تزيد محاسبياً المقدرة المصرفية على بناء إستراتيجيات أكثر استقراراً في توظيف السيولة بمعدلات فائدة ثابتة.

أزمة ثقة

كما تعتمد البنوك التي بدت تُظهر زهداً نسبياً في طلب الدولار الحكومي على الاستفادة من المتغيرات التي طرأت على القطاع المصرفي العالمي، والذي تعرّض أخيراً لأزمة ثقة كبيرة جرى تغذيتها بسلسلة انهيارات، آخرها أزمة بنك كريدي سويس العالمي الذي استحوذ عليه بنك يو بي إس بغرض إنقاذ الموقف وبرعاية السلطات السويسرية مقابل 3.2 مليار دولار.

وبالطبع، تشكل الضغوط على سمعة القطاع المصرفي العالمي حافزاً إضافياً لبعض البنوك المحلية في تخفيف لهفتها على الدولار الحكومي مدفوعة بالميزة الاستثنائية التي تتمتع بها عالمياً، وهي ضمان ودائعها من قبل الدولة، ما يجعل مخاطر الاحتفاظ بالأموال لديها معدومة مقابل تنامي المخاطر العالمية، ومن هنا تبرز الفلسفة المصرفية في وجود حاجة حكومية لإحداث توازن عند التسعير بين معدل الفائدة والمخاطر الخارجية.

وأثناء ذلك، كشفت المصادر أن الطلب المصرفي على الودائع الحكومية بالدولار لايزال قائماً، خصوصاً من البنوك الصغيرة والمتوسطة، لكن في المقابل لا يمكن تجاهل خفوت وهج هذه الأموال لدى القطاع المصرفي عموماً، قياساً بالسنوات الماضية، وتحديداً التي سبقت جائحة كورونا.

وإلى ذلك، ترى المصادر أنه إذا كان من حق صانعي السياسة لدى «هيئة الاستثمار» وغيرها من الجهات الحكومية التي لديها سيولة دولارية البحث عن عائد أعلى من السابق لأموالها بحكم مسؤوليتها القانونية والأدبية، إلا أن الاعتماد على هذا المحرّك لم يعد كافياً مصرفياً، لا سيما لدى البنوك الغنية بمصادر الدولار، لإغفال مصلحتها والبحث عن مزود إضافي وإن كان بسعر مساوٍ لكنه أطول عمراً.

ودائع الدينار مليئة... ومستقرة

بخصوص الودائع الحكومية بالدينار، لفتت المصادر إلى أنه لا يوجد خلاف كبير بين البنوك والجهات الحكومية على تسعير هذه النوعية من الودائع، بفضل أنها متوافرة ومحكومة أكثر بآليات العرض والطلب المحلي، بخلاف طلب ودائع الدولار.

وبينت المصادر أن محافظ البنوك المحلية مليئة بالودائع بالدينار لا تواجه أي نقص في أموال الدينار، مدفوعة بالودائع المحلية والحسابات الجارية وغيرها من مصادر توفير هذه السيولة بمستويات عالية، ما يجعل الحاجة لها أكثر حسب متطلبات ترتيب سلم الاستحقاقات، وهذا ما يبدو واضحاً في تنافس سعري بين بنوك دون أخرى على وديعة حكومية يتم طرحها للمزايدة المصرفية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي