No Script

اتجاهات

دلالات التصعيد الأخير في تايوان

تصغير
تكبير

في أعقاب الزيارة المفاجئة الأخيرة لرئيسة تايوان للولايات المتحدة، ولقائها مع رئيس مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي وأعضاء من الكونغرس، نددت بكين بشدة بالزيارة، وأعقب ذلك مناورات صينية كبيرة حول تايوان دامت ثلاثة أيام، اشتركت فيها العشرات من الطائرات والبوارج الحربية، لعمل محاكاة لضرب أهداف محددة في تايوان.

لماذا زارت رئيسة تايوان واشنطن؟ في بيانات رسمية أميركية وتايوانية، أفادت أن الزيارة ليست رسمية، بل عابرة أو شخصية ضمن جولة للرئيسة في أميركا الوسطى. وأن لقاءها مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى أمر عادي معتاد لا يستدعي رد فعل الصين المبالغ فيه. كما أن الرئيسة لم تقابل الرئيس جو بايدن ولا نائبه ولا وزير الخارجية.

ولا نعرف على وجه الدقة، هل كانت الزيارة بدعوة أميركية أو بالتنسيق مع واشنطن. لكن من الواضح جداً أن الزيارة متعمدة من قبل رئيسية تايوان، وأن مقابلة رئيس مجلس النواب لها، قد استهدف زيادة طمأنة تايوان في شأن سياسة بايدن تجاه تايوان، التي ترمي على أقل تقدير إلى تقويض مساعي الصين المتصاعدة لضم تايوان بالقوة، في حين تدعي بكين أن سياسة بايدن ترمي كليا نحو دعم استقلال تايوان.

فضلاً عن ذلك، تأتي الزيارة في سياق حشد الدعم الداخلي لحزب الرئيسية «الديموقراطي التقدمي» الذي يواجه استحقاقاً انتخابياً شرساً بعد بضعة أشهر مع حزب الكومينتانج القريب من الصين والأقرب إلى الوحدة. وبحسب استطلاعات الرأي، أن فرص فوز الكومينتانج أوفر، بسبب تنامي مخاوف التايوانيين من غزو صيني للجزيرة بعد تصاعد مناورات الصين في أغسطس الماضي عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي. وعليه، فالتطمينات الأميركية ستساهم في زيادة فرص الديموقراطي التقدمي الأقرب إلى الاستقلال، حيث يتناغم مع مزاج عام شعبي متطلع إلى الاستقلال، لكن غير واثق أن ذلك الحلم سيتحقق قريباً.

لماذا تتعمد واشنطن التصعيد حول تايوان؟ والجواب ببساطة أن نجاح الصين في ضم تايوان بأي وسيلة كانت، يعني نهاية عصر الهيمنة الأميركية على العالم، وبدء الهيمنة الصينية، حيث إن تايوان رابطة رئيسية في الباسيفيك لاستدامة الهيمنة الأميركية. لذا، نلحظ أن السياسة الأميركية المتشددة تجاه الصين تتنامى بوتيرة كبيرة جداً. حيث بدأت تأخذ مساراً تصادمياً واضحاً خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، اشتد مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وتطورت بدرجة كبيرة مع بايدن.

ففي أعقاب زيارة رئيسية تايوان، وفي إطار سياسة بايدن لتعزيز التحالفات الأمنية لواشنطن في الباسيفيك، انطلقت أكبر مناورات عسكرية أميركية-فيلبينية في تاريخ التحالف العسكري بين البلدين، وقد سبق المناورات سماح الفيلبين لواشنطن في فبراير 2023، باستخدام أربع قواعد عسكرية جديدة تضاف إلى قائمة القواعد الأميركية هناك، ثلاث منها قريبة من تايوان. ويدل ذلك، أن سياسة الردع الأميركية تجاه ضم بكين لتايوان بالقوة لا تراجع فيها على الإطلاق، بل غدت أولوية استراتيجية لواشنطن.

ونتذكر هنا تصريح بايدن الشهير، حين قال إن واشنطن ستدافع عن تايوان عسكرياً إذا هاجمتها الصين، وقال هذا التصريح في ظل تخاذل أميركي عن الدفاع عن أوكرانيا عسكرياً. وهو ما يشي أن مخاوف واشنطن الحقيقية هي القوة الصينية وليس روسيا، حيث لا تشكل الأخيرة تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية.

لماذا تتحدى الصين أميركا بجرأة حاسمة حول تايوان؟ عندما تقوم الصين بالرد عسكرياً-على خلاف المعتاد في العقود السابقة- على الزيارات المتبادلة بين تايوان وواشنطن، فهي بذلك ترسل الكثير من الرسائل الحاسمة والمباشرة. أولها وأهمها، أن الصين لم تعد حليفاً تابعاً لواشنطن كما كان في الماضي، بل قوى عظمى ند تنازع على الهيمنة. وثانيها، أن تايوان خصوصاً خط أحمر لا يمكن المساس به، ليس فقط بسبب البعد القومي لها، بل الهيمنة الصينية عليها حاسمة للغاية لتمكين حلم الهيمنة الصينية.

وعلى هدي ما سبق، نخرج بدلالات جلية للغاية حول التصعيد الأخيرة، أبرزها، أن الخلاف الصيني الأميركي حول تايوان قد انتقل من مرحلة التوتر المعتاد، إلى مرحلة كسر العظم وتحدي الإرادة، ويسير آجلاً أم عاجلاً إلى مرحلة مواجهة عسكرية حاسمة. والدلالة الثانية، أن النزعة الاستقلالية لتايوان سواء نخبوياً أو شعبياً أخذة في التقلص التدريجي، بحيث سيكون الوضع الراهن (دولة واحدة ذات نظامين) هو الحلم الذي سيسعى التايوانيون للبقاء عليه.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي