No Script

أميركا - إيران.. تَصادُم في سورية ليس بعيداً عن الحرب الأوكرانية

تصغير
تكبير

للمرة الأولى منذ الحرب السورية التي اندلعتْ عام 2011 وتَواجُد القوات الأميركية وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الشمال – الشرقي السوري، تتبادَلَ أميركا وإيران القصفَ والضربات على مدى يومين متتالين على الأراضي السورية وسط تحذيرات متبادلة واضحة وصريحة.

فما سبب التصعيد المفاجىء ورفْع مستوى الضربات الإيرانية ضد القوات الأميركية عبر طائرات مسيَّرة في حقليْ العمر وكونيكو والقاعدة العسكرية في الحسكة؟ وما علاقة الحرب الأوكرانية بما يحصل في سورية؟

تتواجد القوات الإيرانية الاستشارية وحلفاؤها من جنسيات مختلفة، وهي تُعدّ ببضعة آلاف، في سورية بطلب من حكومة دمشق.

وتستمر هذه القوات بعملها بسبب احتلال قوات تركية وأميركية الشمال الغربي والشمال الشرقي السوري، عدا عن وجود ميليشيات مدعومة من تركيا على محور إدلب.

وهذا ما يمثّل نحو 27 في المئة من الأراضي السورية التي تقع خارج سيطرة قوات نظام الرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية في معبر التنف الحدودي مع العراق حيث لا تسمح أميركا بدخول أي قوات ضمن محيط 50 كيلومتراً مربعاً في البادية السورية.

إلا ان القوات الرديفة للجيش السوري استطاعت السيطرة على معبر البوكمال في الشمال – الشرقي السوري لتأمين التواصل بين سورية والعراق حيث يستمرّ الدعم اللوجيستي لسورية ولحلفاء إيران.

وهذا ما يُغْضِب إسرائيل التي تستخدم الوجود الأميركي وقواعده الجوية في سورية في مناوراتها القتالية لضرب أهداف داخل سورية وشاحناتٍ تمرّ عبر البوكمال محمّلة بالدعم الإيراني والمواد المختلفة التي تحتاج إليها سورية وحلفاءها، وهي تنوء تحت عقوبات شديدة أميركية وأوروبية منذ عام 2020، تحت عنوان «قانون قيصر».

وقد استمرت الضربات الإسرائيلية ضدّ أهداف متنوعة في سورية في الشمال والوسط والجنوب، وآخِرها قافلة عبرت التنف، وضربات ضد مطار حلب لأن حكومة دمشق ترفض الرد لردع إسرائيل في خرقها للقانون الدولي والاعتداء على دولة ذات سيادة.

إلا أن الضربات الإسرائيلية بدأت تطال أهدافاً تابعة لحلفاء إيران ومخازن إيرانية في سورية. وقد اتبعت إيران بعد كل ضربة في سورية سياسة الرد داخل إسرائيل من خلال «ذئب منفرد» أو عمليات خاصة لم يعلن أحد المسؤولية عنها وآخرها «عملية مجيدو» التي قالت إسرائيل إن المُهاجِم عَبَرَ من لبنان بغطاء من «حزب الله» الذي توعّد بالرد المباشر على أي هجوم إسرائيلي أو عملية اغتيال ضد أي لبناني أو فلسطيني في لبنان.

وتعتقد مصادر مطلعة أن إسرائيل ردّت من خلال اغتيال المهندس رمزي الأسود القيادي في «الجهاد الإسلامي» في دمشق على يد قنّاص ومن ثم طعنه مرات عدة لإظهار وحشية الردّ.

وهذه الضربات المتقابلة بين إيران وإسرائيل من المتوقّع أن تستمر لأنها معركة مفتوحة بين الطرفين.

إلا أن قيام إيران بإرسال عدة مسيَّرات انتحارية ضد المواقع الأميركية ليس تطوراً يعطى الضوء الأخضر له من خلال المستشارين، بل هو نابع عن قرار على أعلى المستويات برفْع التصعيد في وجه أميركا في ساحات مختلفة.

وهذا ما قاله أحد المستشارين الإيرانيين في سورية حيث حذر «العدو الأميركي من ان إيران تملك اليد الطولى ولديها القدرة على الرد في حال استهداف مراكزنا وقواتنا على الأرارضي السورية وأن الإنتقام لن يكون سهلاً أو بعيداً».

وهذا تلميح واضح إلى أن مسرح العمليات ضد القوات الأميركية لن يكون سورية فقط بل سيتوسع أيضاً إلى العراق ومناطق أخرى لأن إيران تجيد «الحرب بالوكالة» ولديها مسارح عمليات مختلفة تستطيع استخدامها والإنطلاق منها.

ومن هنا فإن توسيع الهجوم في سورية ضد أميركا لم يأت من فراغ.

فقد جهّز الجيش السوري عشرات الآلاف من القوات النظامية لإرسالها إلى الشمال السوري ما دامت تركيا تطلب اللقاء المباشر بين الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.

بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا تريد من القوات السورية التحضّر لإزعاج القوات الأميركية وفتْح عدة جبهات عليها، مثلما تفعل واشنطن في أوكرانيا.

وقد قامت الطائرات الروسية بأكثر من 25 طلعة فوق القاعدة الأميركية في التنف من دون الاكتراث لقواعد التنسيق مع أميركا في سورية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن القرار الأميركي بسحب الطائرات المتطوّرة من الشرق الأوسط واستبدالها بالطائرة A-10 البطيئة يدلّ على نية أميركا – بالنسبة لإيران وروسيا – بالتحضير لتدخُّل أكبر في أوكرانيا والتقهقر أكثر من الشرق الأوسط.

وما تريد إيران وروسيا إبلاغه لأميركا بطريقة غير مباشر هو أن قرار تبديل أسراب الطائرات في منطقةٍ اعتبرتْها واشنطن غير ساخنة خاطئٌ لأن المنطقة ينتظرها إرباك وتصعيد.

وهذا يدلّ على مقاربة جديدة على صعيد التعاون الإيراني – الروسي على مستوى أوسع وأشمل، وخصوصاً ان الرئيس الأميركي جو بايدن أكد انه لا يريد الحرب ولكنه سيضرب بقوة.

إلا أن المصادر المطلعة في سورية تؤكد أن «منزل أميركا من زجاج». وتالياً فإن فتْح جبهات عدة ليس بالمسألة الصعبة وأن جرّ أميركا إلى مواجهةٍ ليس بالأمر المستحيل وخصوصاً بعد رفْع مستوى التحدي حتى تخرج الولايات المتحدة من سورية والعراق.

وقد صوّت الكونغرس الأميركي ضد إخراج القوات الأميركية من سورية وكأنها مقاطعة أميركية مكتسبة، وهو خرق واضح للقانون الدولي.

إلا أن إيران تخشى أن تحضّر أميركا لفتنة ما في الشرق الأوسط، وتعي ما تلمح إليه واشنطن في هذا الإطار.

وهي فتحت صفحة جديدة مع دول الشرق الأوسط تريد الحفاظ عليها، من دون ان يعني ذلك انها لا تستطيع ضرب القوات الأميركية في المنطقة.

يبدو أن من الممكن ان تنفتح منطقة الشرق الأوسط على تصادم محتمل ترغب به روسيا التي لم يعد لديها أي اعتبارات للتهدئة مع أميركا التي قررت – بحسب المصادر – أن تهزم روسيا في أوكرانيا مهما كلف الأمر.

ولذلك فإن جميع الضربات أصبحت محتلمة ومفتوحة في جبهات مختلفة، بما فيها سورية والعراق.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي