No Script

خواطر صعلوك

يا جماعة اطلبوا الإسعاف بسرعة !

تصغير
تكبير

إنّ فكرة الفساد والسرقة واللف والدوران في عقول البعض هي أفكار لا تحتاج إلى مجهود كبير لاستحضارها، فهي مزروعة في اللاوعي نتيجة البيئة... بل على العكس أحياناً تحتاج هذه الأفكار إلى مجهود ذهني لصرفها وليس لاستحضارها.

فمثلاً أصبحت كلمات مثل «مناقصة، عقد، ممارسة، ترسية، تاجر، عضو مجلس أمة، وزير...» كلها تستحضر في عقل السامع أسئلة مثل كيف يسرق؟ وما هي الطريقة؟ ومَن شركاؤه؟ حتى أصبح كل فعل تقوم به الدولة مثيراً للشك والريبة.

لماذا وصلنا لهذه المرحلة من «صناعة السخط» لدرجة أنه إذا تعيّنت فتاة في جهة ما وهي على قرابة من مسؤول ما... فالأكيد أن في الأمر شبهة وفساداً إدارياً، رغم أن تعدادنا ككويتيين مليون ونصف المليون تقريباً، وأكثر من 20 في المئة منهم مسؤولون في الدولة، وهذا يعني أنهم بأسرهم وجماعتهم يشكّلون 80 في المئة من الشعب، وقبل أن تلطم على وجهك عزيزي القارئ قائلاً لي «إنه فعلاً هناك فساد إداري وكلاً حسب أهله وجماعته» فأنا أقسم لك بالله إني أعلمُ ذلك ولكني أحذّر من التشهير بالجميع وظلم الناس، وكله تحت مسمى الحرب على الفساد، وأنا أعلم وأنت تعلم عزيزي القارئ أن الفساد نفسه ليس على مستوى المسؤولين ولكنه أيضاً على مستوى الموظفين والأفراد؟

وإذا أردنا حرباً على الفساد، فيجب أن تكون شاملة، فالفساد في العقول قبل المؤسسات، وفي النفوس قبل تطبيق القوانين والتشريعات.

بمعنى أنك قد ترى شخصاً طبيعياً ومحترماً وخلوقاً في تعاملاته مع الناس، ولا يرمي القاذورات من نافذة سيارته، ولا يتخطى الدور في المطاعم أو المحلات، ولكنه رغم ذلك ليس محصّناً من الفساد أو محاولة الاختلاس والرشوة والسرقة في المؤسسات العامة... ونحن نقرأ كل يوم أخباراً جديدة عن مواطنين في مناصب جيدة، لا ينقصهم شيء، ورغم ذلك يسقطون بالجرم المشهود!

تخيل معي عزيزي القارئ، شخصاً يعيش في بيئة كل ما فيها يعزز «صناعة السخط» والغضب والاستياء، وكل المواضيع المطروحة فيها هي أن «فلان حرامي وعلان مرتشٍ، وأن ذاك الشخص بنى بيته بالرشوة، وتلك الموظفة تسافر كل سنة من فلوس السرقة... شخص يعيش منذ مراهقته أو طفولته في بيئة بيت أو ديوانية أو سوشيال ميديا أو مقالات جرايد» لتذكيره كل يوم أن جميع من حوله لصوص وأوغاد... فيتشبّع عقله الباطن بمعايير أخلاقية وقيمية نسبية، فيصبح محترماً عند إشارة المرور، ويصبح «حرامي» بمجرد وصوله للعمل.

ظاهرة غريبة، تحتاج للتأمل، أو لا تتعب نفسك وتتأمل، فلماذا تتأمل أصلاً.

فقد اكتشفت أخيراً أن الإنسان في الواقع لا يتأمل في نفسه بل في الآخرين، ولا يراقب سلوكه بل يَحكم على سلوك الآخرين، وأن أكثر ما يميّز الإنسان عن الحيوان هو أنه عندما تحدث مصيبة بالقرب منه، لا يقوم بطلب الإسعاف بنفسه، بل يصرخ: «يا جماعة أحد يطلب الإسعاف بسرعة». وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي