No Script

اتجاهات

الخليج والأزمة التايوانية

تصغير
تكبير

دخلت الأزمة التايوانية في مرحلة خطيرة للغاية من التصعيد لا رجعة فيها منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي، للجزيرة في مطلع أغسطس الماضي. فقد تبين من الزيارة أمران، الأول، تدشين سياسة جديدة لواشنطن تجاه الجزيرة تتمحور حول منع الصين بكل الصور من المضي في مخططها الرامي لتوحيد الجزيرة. والثاني، النقيض له، إصرار صيني رهيب وجريء غير مسبوق على تحدي محاولات واشنطن، يُستدل منه أن الصين ماضية في خطة توحيد الجزيرة مهما كانت التكلفة والتحديات.

إذاً، نحن أمام أزمة تحدي إرادة خطير بين واشنطن وبكين، فمن غير المرجح أن يتطور إلى صدام عسكري في القريب، لكن يفاقم إلى مستوى خطير للغاية من حالة الصراع العنيف بينهما. وهذا الصراع بلا شك له تبعات جيوسياسية واقتصادية شديدة السلبية والخطورة تطول العالم كله، لكن آسيا تحديداً ستنال الجزء الأكبر من تلك التبعات.

فعلى الرغم من تخفيف الصين لعملياتها العسكرية حول الجزيرة؛ إلا أنها قد قامت بعملية إعادة تموضع عسكري بالقرب منها لمزيد من المناوشات والمناورات العسكرية في المستقبل. علاوة على ذلك، فرضت الصين مجموعة من العقوبات الاقتصادية على تايوان. وهذا بدوره سيؤثر على حركة التجارة العالمية من مضيق تايوان الحيوي، كما سيؤثر بشدة على إنتاج تايوان من أشباه الموصلات الذي تحتكره تقريباً. بالمقابل، من المحتم أن أزمة تايوان ستُصعد الخلاف بين واشنطن وبكين في مجالات أخرى كالحرب التجارية والتكنولوجية. كما ستسرع من وتيرة التحالفات الأمنية والعسكرية في المحيط الهادئ.

وعلى الرغم من البعد الجغرافي بين الخليج العربي وتايوان؛ إلا أن تبعات الأزمة ستطول الخليج بلا شك. فتطور الأزمة أي استمرار تصعيد الصين عسكرياً، سيؤثر على مبيعات النفط الخليجي لآسيا، خصوصاً الصين، باعتبار أن آسيا أكبر مستورد لنفط الخليج. كما ستتقلص واردات الخليج من الأجهزة التكنولوجية ومعدات الطاقة البديلة التي تعتمد على أشباه الموصلات، وذلك في الوقت الذى يشهد فيه الخليج نهضة ومشروعات عملاقة ومشروعات طاقة نظيفة واسعة.

لكن، ربما الأخطر على الخليج في الوقت الراهن يكمن في انجراره في حالة الاستقطاب الشديدة التي فاقمتها الأزمة، بين بكين وحلفائها من جانب، وواشنطن وحلفائها من جانب آخر. فالأزمة التايوانية ليست أزمة عادية بين واشنطن وبكين، بل هي انعكاس لعمق صراع الحرب الباردة بينهما.

وعندما تشتد الحرب الباردة بين أكبر قوتين في العالم، يقع حلفاء وأصدقاء الطرفين في أزمة شديدة في شأن الحياد والانحياز لأحد الأطراف. فالوقوف على مسافة واحدة والحياد أمر صعب تحقيقه. وترتبط دول الخليج كما هو معروف بعلاقات ما زالت جيدة وأمنية مع واشنطن، وعلاقات اقتصادية إستراتيجية مع بكين. ومع حلفاء الطرفين تتمتع دول الخليج أيضاً بعلاقات ممتازة كالهند وروسيا ودول جنوب شرقي آسيا وتايوان.

وعليه، فموازنة الخليج في علاقاته مع كل تلك الأطراف في ظل تفاقم أزمة الاستقطاب الناشئة عن الأزمة، أمر سيبدو غاية في الصعوبة.

قبل فترة، قام الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة تاريخية للسعودية، كان من ضمن أهدافها المعلنة هو محاربة توسع نفوذ الصين في المنطقة. وفي تقديرنا، كانت إشارة لدول الخليج بحتمية الانحياز إلى تحالف واشنطن الموسع العالمي لمناهضة صعود الصين والذي يضم الهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وأوروبا.

وخطورة انحياز دول الخليج للصين حالياً تكمن في تصريحات واشنطن علانية أو ضمنياً تخليها التام عما تبقى من هامش ردع لحماية أمن الخليج، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم خطورة القوى المهددة للخليج خصوصاً إيران. وعلى الجانب الآخر، انحياز تام خليجي للصين يعني تدهوراً حاداً في العلاقات الاقتصادية المتنامية التي تعتمد عليها دول الخليج لاستكمال الخطط والرؤى الاقتصادية الجديدة لها.

وربما هناك الكثير من التداعيات الخطيرة للأزمة التايوانية على الخليج، لكن بلا شك أن المنطقة على إثر الأزمة تنجر تدريجياً في صراع واستقطاب حاد بين واشنطن وبكين. وما على الخليج فعله لدرء هذه التداعيات إلا الدفع بديبلوماسية استباقية وقائية لمحاولة تهدئة الأزمة التايوانية أو حل نهائي، مستغلاً علاقاته الجيدة بالطرفين. مع الاستمرار في توطيد علاقاته مع كل الأطراف الصديقة للطرفين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي