إسرائيل و«حزب الله» منازلة جاسوسية لا تستريح... أدواتها النساء والمال والانتقام والسلطة (3 - 3)
حكاية مسؤول في «حزب الله» لجأ إلى «سي آي إي» والسبب «الغامض»... خلافات داخلية
- إسرائيل جنّدت عميلاً في القطاع الإلكتروني لتتبُّع موجات الإرسال التي تبث عبرها الإطلالات المباشرة لنصرالله
- تَعامُل «أبو تراب» مع «سي آي إي» جاء انتقاماً لوضعه «على الرف» لسنوات قبل تعيينه مسؤولاً لوحدة التدريب
- راتب «أبو تراب» كان يُوضع في أحد الكتب على رفوف إحدى المكتبات في الحمراء
- محمد الحاج كان المسؤول الوحيد في الحزب المسموح له بالسفر بعد تزوير فحوص طبية
عندما يتقدّم أحد العملاء للعمل مع جهاز «الموساد» أو مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي)، تطلب منه معلومات روتينية للتأكد من صحة معلوماته وقدرته على الولوج إلى الأسرار التي تَبحث عنها أجهزة الاستخبارات.
وفي المرحلة المتقدمة وعند التأكد من قدرات العميل، تقوم أجهزة الاستخبارات بوضعه تحت اختبار جهاز كشف الكذب الذي من الممكن - كما هو مثبت - الالتفاف عليه وغشه.
وتملك أجهزة الاستخبارات معلومات كثيرة عن «حزب الله»، لكن هذه المعلومات تحتاج إلى تجديدٍ كلما كُشف عميل لديه مدخلية إلى أجهزة معينة أو وحدة حساسة، أو كلما حصل الحزب على أسلحة متطورة، تريد إسرائيل معرفة أمكنتها لإغناء «بنك المعلومات» لديها ولمراقبتها ومراقبة التحركات حولها أو لتدميرها يوم المعركة المرتقبة.
ومثالٌ على ذلك، سعي إسرائيل والأجهزة الغربية الدائم لمعرفة مكان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لمحاولة خطْفه أو قتْله، لأنه يشكّل العمود الفقري لـ «محور المقاومة».
وحاولت اسرائيل - وستبقى تحاول - معرفة مكان نصرالله من خلال تجنيد عميلٍ وقع في شِباكها يعمل في القطاع الإلكتروني - المعلوماتي لتتبُّع مكان الإرسال الذي تُبث عبره الإطلالاتُ التلفزيونية المباشرة للأمين العام.
وهذا يدلّ على فشل «الموساد» والأجهزة الغربية المتقدمة في معرفة مكان نصرالله واغتياله، وكذلك يدلّ على قدرات الحزب التكنولوجية المتطوّرة لمنْع الاختراق الإلكتروني.
إذ ان الاستخبارات الغربية تعمل جميعها في إطار تعاونٍ استخباراتي تتبادل عبره المعلومات مع إسرائيل، خصوصاً ان «حزب الله» مدرَج على لائحة الإرهاب لدول عدة، تعمل إما لدعم إسرائيل أو لهزيمة «محور المقاومة»، أو لتوجيه ضربة معنوية لإيران.
ورغم الاعتقاد بأنه انتهى الزمن الذي كان آرييل شارون فيه يتنقّل في شوارع بيروت داخل سيارة ديبلوماسية إيطالية في العام 1982 قبل الاجتياح يوم كان وزيراً للدفاع، فإن أجهزة الاستخبارات لن تكلّ ولن تملّ.
وثمة تجربة قاسية اجتازها الحزب في سياق هذا الصراع عندما تَعَرَّضَ لخرْق أسراره من أحد أبرز مسؤوليه، أي محمد قاسم الحاج (أبو تراب) الذي توفي عام 2021 بعد إصابته بمرض السرطان الذي تفشى به قبل الإفراج عنه ليتوفى في منزله.
وكان الحاج تطوع للعمل في صفوف «سي آي إي» ليقدّم جميع المعلومات التي في حوزته عن معسكرات التدريب، بصفته مسؤول وحدة التدريب في الحزب.
ولمحمد الحاج تاريخ عريق داخل الحزب، إذ كان لديه دور في القبض على الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد وإخفائه، ويَعتبر بعض أصدقائه أنه شخص قلّ نظيره في العمل العسكري وإدارة العمليات، خصوصاً أنه كان اجتاز دورة قيادة أركان في الجزائر عندما كان ينتمي إلى حركة «أمل» التي انشقّ عنها وأسّس مع مصطفى الديراني حركة «أمل المؤمنة» لينتقل بعدها إلى «حزب الله».
وتسلّم «ابو تراب» عمليات الجنوب اللبناني مؤسِّساً لـ «مدرسة» جديدة وأسلوب قتال خلف خطوط العدو ينْصب الكمائن في سياق محاربة إسرائيل.
إلا ان الخلافات الداخلية أدت إلى إقصائه لسنوات عدة من دون عمل ليعود بتكليف من الأمين العام لقيادة وحدة التدريب.
وبسبب الغضب والانتقام الذي تَمَلَّكَه، قدّم نفسه للاستخبارات الأميركية التي كانت تضع له الأموال في ظرف داخل كتاب ما في مكتبة في شارع الحمراء في بيروت لتسلم راتبه الشهري في شكل متواصل.
وكان الحاج الوحيد الذي يتمتع بحرية السفر إلى الخارج بسبب العلاج لأن «سي آي إي» كانت زوّرت له فحوصاً من مختبرات أحد المستشفيات الجامعية الكبرى في بيروت، تشير إلى إصابته بمرض عضال في كبده ويحتاج لعلاج في الخارج في شكل دوري وهو الذي كان يتمتع بصحة جيدة.
هذه الوسيلة «الطبية» سمحت له بلقاء ضباط الاستخبارات الأميركية في الخارج، إذ قام بتسليمهم جميع المعلومات التي يملكها عن كل فرد تَدَرَّبَ في الحزب، ومعلومات أخرى حساسة بصفته قريب من قادة الحزب، حتى ولو كان على خلاف مع عددٍ مهمّ منهم.
وقد أثارت المعلومات عن اكتشافه وتوقيفه من «حزب الله» يومها جلبةً في بيروت، حين انبرى البعض إلى التماهي مع الموقف الأميركي، للمطالبة - من دون جدوى - بإطلاق الحاج الذي سجنه «حزب الله» سنوات طويلة قبل أن يصاب بالمرض نفسه الذي ادعى أنه يريد العلاج منه عندما كان يتمتع بصحة جيدة.
واعتبر «أصدقاء أميركا» في بيروت أن الولايات المتحدة دولة غير عدوة، وتالياً فإن التجسس لمصلحتها ضدّ فئة من اللبنانيين لا يدخل في إطار الممنوعات.
وأمثال كثيرة تملكها الأجهزة الأمنية عن الدوافع التي تساهم في تجنيد العملاء.
وهذا العمل الاستخباري لن ينتهي لأن صراع الأدمغة لا يتوقف منهما صغرت أو عظمت المخاطر. وقد راكم «حزب الله» الأسلحة المتقدمة التي تشغل بال إسرائيل.
وهذا ما سيدفعها لتصبح أكثر شراسة للبحث عن مصادر المعلومات علّها تصل إلى أهدافها.
وليس تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان إلا باباً آخر يساعد الاستخبارات لإيجاد غزارةٍ على مستوى صغار المتطوعين.
إلا ان الحزب تَعَلَّمَ أيضاً ألا يضع كامل قوّته في مكان واحد وتحت وحدة منفردة ليخفّف الأضرار إذا وقعت وفي حال الاختراق الأمني.
وكذلك يتشدد اليوم في وحدة مكافحة التجسس التي تملك صلاحيات واسعة للبحث عن عملاء إسرائيل وأصدقائها وعن أحوال كل فرد من أفرادها مهما عظمت مسؤوليته، خصوصاً بعد تَغَيُّر الأحوال المادية للعميل أو محاولته التدخل بمعلومات خارج صلاحياته أو سفره إلى الخارج مهما كانت الأسباب.
وهناك اعتقاد أن هذا من شأنه أن يخفف النتائج السلبية - وليس إلغاءها - وأن توسُّع جسم الحزب يعرّضه للاختراق تماماً، كما يحدث مع الفصائل المُقاوِمة أو الدول مهما كبرت أو صغرت.
إنها معركة الاستخبارات وصراع الأدمغة والوسائل المتطورة التي لن تنتهي ما دامت المعركة قائمة ومستمرة، وما دامت الإغراءات هي نفسها لا تتبدل عند البشر.