قيم ومبادئ

كيف تصنع إشاعة ناجحة؟

تصغير
تكبير

تطوّرت كثيراً وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها وبرامجها التي جعلت العالم يسيح على بعضه البعض، بحيث أمكن اختراق المواقع الأكثر حصانة، وتالياً التأثير على مجريات الأحداث أو مؤسسات اتخاذ القرار في أوروبا وأميركا والعالم الثاني والثالث على السواء، مستهدفة في ذلك كله الجماهير في إداراتها للصراع السياسي أو الاقتصادي أو العسكري والثقافي.

ومع هذا التطور السريع تطورت أساليب صناعة الإشاعات... ولا يمكن نجاح أي إشاعة في إحداث البلبلة والإرجاف إلا من خلال فهم احتياجات الجماهير ومصالحها ومدى وعيها وقدرتها على تنفيذ الأجندات التي تُملى عليها بكرة وعشياً مع الأخذ منها البيانات المتعلقة بالشأن العام... لدرجة الوصول الى التحكم في سلوك الناس وميولهم وردود أفعالهم ولهذا أطلقوا على الإشاعات الحديثة (الرصاصة السحرية) أو ما يُعرف عند الأطباء (الإبرة تحت الجلد!).

والأغرب في ذلك أن ميول الناس متماثلة تجعلهم يتلقون هذه الرسائل من الفضاء المفتوح بطريقة متشابهة مع ردود أفعال مشتركة بين الجميع، الأمر الذي جاز معه إطلاق هذا الوصف وهو: الرصاصة السحرية التي تفترض أن جميع الإشاعات تؤثر على الأفراد ولو كانت لا تُشبه مُحفزاتهم الداخلية، ولا تلامس حاجاتهم اليومية!

لكن السؤال الأهم ما السبب الذي يجعل العوام والجماهير يتناقلون الإشاعات بسرعة ويصدقونها وينسجون حولها القصص والأباطيل؟

لعلّ السبب الأهم هو مقدار الضغينة في الصدور ضد الحكومات والأنظمة مع فقدان الثقة والمصداقية في السياسيين عموماً والرموز في المعارضة والأحزاب الأيديولوجية.

وهنا يُمكننا التمييز بين فترتين، الفترة الأولى وهي التي سبقت ثورة المعلومات حيث انتصرت معركة العقلانيين لفترة من الزمن..

ولكن مع ظهور الفضاء المفتوح وسهولة تدفق المعلومات، الأمر الذي أدّى إلى تغيير حاد وسريع في أنماط الاتصالات وإلى تقييم جديد للعصر الحديث، وهذه الفترة الثانية التي عادت معها نظرية الرصاصة السحرية في شكل الإعلام الجماهيري ومدى انتشار الأخبار الزائفة حتى في أكثر المجتمعات رقياً...

ففي الليلة التي سبقت عيد الهالوين عام 1938 في أميركا، أذاعت محطة راديو أميركا خبراً مفاده تعرض الولايات المتحدة لغزو فضاء خارجي قادم من المريخ، مع بث المؤثرات الصوتية لأصوات الانفجارات والصراخ وطلب الاستغاثة وسيارات الإسعاف وأصواتها المدوّية، فانتشر الرعب في أنحاء أميركا حتى خرجت الحشود بالملايين إلى الشوارع واكتظت الكنائس والملاجئ وبدأ القديسون بتلاوة التعاويذ...

وعندما علمت المحطة الإذاعية بذلك، أذاع مذيعوها حقيقة عدم حدوث غزو، فتشكل حشد غاضب من الأميركيين وأحرقوا المحطة بمَنْ فيها، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل سرى الخبر إلى 12 مليون شخص، فاجتاحت الهستيريا المنازل الأميركية وقام الكثيرون بإخلاء منازلهم وتخزين المواد الغذائية...

وما ان صرّح المسؤولون الحكوميون بأن هذه إشاعات عارية عن الصحة حتى شاع الجدل بين الناس في الصحافة المقروءة الذي استمر عقوداً طويلة ولا تزال نظريات المؤامرة المحيطة بالحدث قائمة حتى تم توظيفها واستخدامها في الدعاية خلال الحرب العالمية الثانية - كما لاحظنا في ثورات الربيع العربي الأخيرة مدى إيمان الشعوب بالأخبار الزائفة من دون قيامهم بالتمحيص والتحري للصدق، وهذا ما يُعزّز قابلية الجماهير سواء كانت عربية أو أوروبية للتأثر والتلاعب بها طالما أن الإعلام مستمر في الشحن والضخ المستهدف للشعوب لجهة إدارة الصراعات الداخلية والخارجية وصولاً لتحقيق أجندات قد تضيق وتتسع بحسب قواعد اللعبة التي يديرها النظام العالمي، مع ملاحظة شدة حاجة الجماهير المتعطشة للمعلومات خلال الأزمات المتلاحقة، وهذا يوفر الكثير من الفرص لنشر الإشاعات التي تستخدم لتحقيق أهداف صُنّاعها.

وأخلص إلى القول إنه كلما تزايد انتشار الإشاعة وشدة تأثيرها اليوم تناقصت قدرة المصادر الأصيلة التي تمتلك المعلومات الصحيحة أو التي تتمكّن من الوصول للجماهير بسرعة مع شرح الحدث وتوضيحه.

فهل وصلت الفكرة؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي