No Script

المحكمة الخاصة الغربية ضد روسيا... سترتدّ على أوروبا والغرب!

مقذوفات وصواريخ روسية تم تفكيكها في خاركيف
مقذوفات وصواريخ روسية تم تفكيكها في خاركيف
تصغير
تكبير

بدأت الدول الأوروبية وأميركا، حملة إعلامية شاملة تتضمن ضرورةَ «محاسبة روسيا أمام محكمة خاصة بجرائم الحرب» التي تُتهم موسكو بالقيام بها في مدن أوكرانية عدة.

وتهدف هذه الحملة ليس لمحاسبة روسيا فقط، بل لإيجاد صيغة قانونية يستطيع من خلالها الغرب، التصرف بالأموال الروسية المحتجَزة لدى دول عدة وشركات خاصة.

إلا أن خطوةً كهذه معقدة لأنها ستدفع موسكو إلى المعاملة بالمثل من خلال إيجاد صيغة قانونية أخرى مشابهة ووضع اليد والتصرف بما تملكه الشركات الغربية في روسيا والذي يفوق بكثير ما يملكه الروس في دول الغرب، ناهيك عن أن هذه الخطوة - إذا طُبقت - ستفتح الباب أمام محاسبة جميع الدول التي قامت بأعمال مماثلة في الماضي، خصوصاً في العراق وسورية وأفغانستان وليبيا وصربيا ودول أخرى على مر الأعوام الماضية.

وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلايين - الحاملة للواء المعركة ضد روسيا حتى إمكانات أوروبا الأخيرة - أن خسائر أوكرانيا بلغت 100 ألف جندي قتيل و600 مليار دولار في البنية التحتية، في حين يقدّرها الرئيس فولوديمير زيلينسكي بتريليون دولار.

كذلك أعلن مسؤول العلاقات الخارجية في المجموعة الأوروبية جوزيب بوريل، ان «أوروبا تدعم إنشاء محكمة خاصة لبحث السبل القانونية لمحاسبة روسيا» وانه «يجب استخدام الأموال الروسية المحتجَزة لإعادة الإعمار في ظل بناء نظامٍ أمني جديد في أوروبا».

وتبلغ الأموال الروسية المحتجَزة التابعة للمصرف المركزي نحو 300 مليار دولار، بينما تناهز أموال الأثرياء الروس نحو 20 ملياراً. وتقول مصادر في البرلمان الروسي، إن حجم أموال الشركات الغربية وديونها وأصولها الموجودة في روسيا تبلغ بين 400 و500 مليار دولار، وتالياً فإن مبدأ المقايضة وارد جداً.

وتبحث أوروبا وأميركا عن صيغة قانونية تضعها المحاكم الغربية التي تمتثل للرؤية الغربية وأهدافها لدرس إمكان تجريم روسيا على قاعدة أن ما تفعله هو «جريمة حرب». وتالياً، إذا خرج اتهام مماثل رسمي، يحق للدول أن تستخدم هذه الأموال لتعويض الخسائر الناتجة عن أداء الدولة الروسية.

ولكن هذه الخطوة ستدفع دولاً، مثل صربيا أو العراق، إلى المطالبة بالشيء عينه، إذ هاجمت الولايات المتحدة وحلف «الناتو» واحتلت هاتين الدولتين ودولا أخرى من دون أمر أو موافقة من الأمم المتحدة، ودمّرت منذ الأيام الأولى، البنى التحتية التي مازالت تعاني من الضرر الذي نتج عن تلك الحرب، وأوقعت آلاف الضحايا من المدنيين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخسائر البشرية التي حصدتها حروب الولايات المتحدة وإسرائيل ومعهما «الناتو» في أفغانستان وسورية ولبنان، ستوضع على الطاولة نفسها التي ستتواجد فيها الملفات الروسية.

وعلى الرغم من أن مبدأ «يحق للغرب ما لا يحق للآخرين» هو السائد، إلا أن الإعلام ودولاً متعددة لن تستطيع التغاضي عما تسببت به الحروب الغربية الماضية في حال أنشئت محكمة لروسيا لاستخدام أموالها.

وتالياً فإن سلاح «المحكمة الخاصة»، هو ذو حدين، سيضرب خصم الغرب حيث تشاء هذه الدول، لكنه سيضربها أيضاً ولن يكون في إمكانها تفادي ازدواجية المعايير من دون خسائر جانبية، بغض النظر عن النتائج الكارثية التي ستصيب الشركات الخاصة الأوروبية الموجودة في روسيا والتي ستتضرر كثيراً من دون شك، ما سيزيد الأعباء الاقتصادية على القارة العجوز التي تترنح تحت عبء التضخم والتململ السكاني.

إذاً فإن الحل ليس بالبحث عن خطوات تصعيدية، خصوصاً أن أوكرانيا لا تستطيع الاستمرار طويلاً في أرض المعركة بعد سقوط 100 ألف قتيل لها، وأقله ثلاثة أضعاف هذا الرقم من الجرحى الذين أُخرجوا من ساحة الوغى.

كذلك فإن التململ الأوروبي أصبح أعلى لأن القارة وقادتها لن يستطيعوا إمداد كييف بالمال والسلاح إلى ما لا نهاية. وقد تجلى في اللقاء الفرنسي - الأميركي بين الرئيسين ايمانويل ماكرون وجو بايدن، وجود خلافات لابد منها حول النتائج الاقتصادية للحرب التي تشنّها أميركا على روسيا في أوكرانيا والتي تدرّ أموالاً طائلة على واشنطن وتفقر أوروبا واقتصادها وصناعتها.

وقد رفضتْ روسيا على لسان الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، عرض بايدن «بوقف الحرب لبدء المفاوضات لأن العملية العسكرية مستمرة»، إلى حين تحقيق أهدافها.

وتعتمد موسكو على تقدمها في أرض المعركة وعلى «جنرال الثلج» الذي دقّ أبواب أوكرانيا التي - رغم إمداد أوروبا لها بـ500 مولد كهربائي ضخم - تنوء تحت الظلام لفترات طويلة يومية وتُدمَّر بنيتها التحتية باستمرار.

لن تجني أوروبا شيئاً من تصعيد الموقف مع روسيا ومصادرة أموالها للتصرف بها كما فعلت أميركا بأموال فنزويلا الـ20 ملياراً المجمدة، حيث تصرفت بجزء منها لحليفها خوان غوايدو الذي أصبح منسياً.

فروسيا لديها السلاح الثقيل الذي تستطيع ضرب الشركات الغربية به بمصادرة أصولها وتخريب اقتصاد أوروبا.

إذاً، لم يتبقَ لأميركا سوى القبول بالأرباح التي حصدتها من هذه الحرب وتتقبل أوروبا خسائرها لتعود لبناء اقتصادها من جديد لأن جميع الخطوات التصعيدية سترتدّ على القارة العجوز، كما حصل بالعقوبات التي فرضتها والتي حجبت بنتيجتها عن نفسها الغاز الرخيص الروسي لتستبدله بالغاز الأميركي الأغلى أربعة أضعاف.

إنها السياسة، وليس القانون، التي تدفع الغرب للقفز على الأصول الروسية من دون أن يدرك تماماً أن موسكو لن تتردد في الرد بالمثل. وقد تسيء دول أخرى استخدام سلطتها ومصادرة أصول الدول الغربية أو غيرها في ضوء ضعف أوروبا الناتج عن دعم السياسة الأميركية.

علاوة على ذلك، سيتردد العديد من المستثمرين في المغامرة بالاستثمار في أي بلد خوفاً من مصادرة أصولهم، ما سيتسبب ببلبلة في أسوق التجارة الدولية.

إنها حرب عضّ أصابع لمَن يستطيع الصمود أطول مدة ممكنة. ومن الواضح أن أميركا وروسيا تستطيعان الصمود طويلاً لسنوات إضافية، وهي مدة غير متوافرة، لا لأوكرانيا ولا للقارة الأوروبية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي