تُحْرِج أميركا وروسيا وإيران
تركيا عرفتْ مكانتَها فتدلّلتْ... على حساب سورية
تُعارِض أميركا وروسيا وإيران، أي تَقَدُّمٍ لتركيا داخل سورية، بعدما أطلقت العملية الجوية «المخلب السيف» في الأراضي التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» (قسد).
ومن غير المتوقع أن تنطلق العملية البرية التي طالما أرادها الرئيس رجب طيب أردوغان لإقامة منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً حتى ولو كانت جميع تصريحات أنقرة تنادي أو تهدّد بذلك.
بعد أيام من العملية الإرهابية التي ضربت منطقة تقسيم في إسطنبول في 13 نوفمبر الجاري، والتي ذهب ضحيتها 6 قتلى و58 جريحاً، واتهام أكراد سورية بالوقوف خلفها، بدأت تركيا عمليتها العسكرية الأوسع منذ العام 2018 بضرب أكثر من 400 هدف وقتل نحو 300 عنصر من الأكراد الموالين لأميركا، بحسب ما صرحت القيادة العسكرية التركية.
وتعتبر أنقرة أن هذه القوات هي نفسها امتداد لـ «حزب العمال الكردستاني» المصنَّف على لائحة الإرهاب الأميركية والأوروبية، والذي لا تنفي هذه الجماعة أنها الفرع السوري منه.
وتتولى هذه القوات، حماية الوحدات الأميركية التي تسيطر على عشرات منابع النفط والغاز السوري منذ أعوام، حيث تتوزع هذه المنابع بين القوات الأميركية التي تنقلها عبر الحدود إلى العراق، وأخرى لتمويل الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مساحة قدرها أقل بقليل من ربع الأراضي السورية.
وتحوي هذه الأراضي ليس فقط أكبر مصادر الطاقة السورية، بل أيضاً السلة الغذائية الأكبر في البلاد ما جعل سورية تنوء تحت عبء اقتصادي كبير بعدما منعت القوات الأميركية أي سيطرة للقوات السورية على المحافظات الشمالية الشرقية.
إلا أن ذلك لم يمنع وجود قوات سورية في مناطق عدة ومحددة، خصوصاً بعد إعلان تركيا قبل إعوام، عن نياتها بدفع وحداتها البرية مدعومةً من قواتٍ سوريّة معارضة للنظام والموجودة في ريف حلب ومدينة إدلب، وقد حصل تفاهم محدود سعت إليه موسكو وطهران لإقناع الرئيس التركي بالعدول عن مخططاته لغزو المنطقة السورية الشمالية الشرقية.
وهذا ما سمح بانتشار محدود لقوات دمشق، من دون أن تسمح القوات الكردية، للحكومة المركزية بمعاودة بسط سيطرتها على المحافظات التي يتواجد فيها الأميركيون.
وكانت القوات الكردية الموالية لواشنطن، فضّلت تسليم محافظة عفرين الشمالية الغربية للقوات التركية التي اجتاحتها عام 2018 ومنع دمشق من السيطرة على المحافظة التي كانت تدر المليارات من الدولارات على الإدارة الذاتية الكردية.
ونزح عشرات الآف من الأكراد من عفرين، إلى مناطق منبج وعين العرب والحسكة والقامشلي من دون اللجوء إلى تفاهم مع الحكومة السورية.
وتُعارِض كل من روسيا وإيران، دخولَ القوات التركية إلى مناطق سوريّة، لاقتناعهما بأن أنقرة لا ولن تنسحب من الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرتها خصوصاً بعدما لمستا التطبيع الذي تقوم به في هذه المناطق، إذ أنشأت أنقرة جامعات وعدّلت برامج المدارس وفرضت لوحات تركية على السيارات ووضعت والياً تركياً على كل المناطق السورية الخاضعة لها.
وعقدت روسيا في الأيام الماضية لقاءاتٍ عدة مع قادة «قوات سورية الديموقراطية» في مطار القامشلي وفي عين العرب ومناطق أخرى لإقناع الأكراد بتسليم الإدارة للقوات السورية.
إلا أن الأكراد يطلبون من الجيش السوري أن يقوم بدور حفظ الحدود فقط من دون التدخل بموارد المحافظات المحتلة ولا بإدارتها التي يصرّ عليها الانفصاليون الأكراد الذين طالما أرادوا إنشاء دولتهم «روج آفا» السورية كامتداد لكردستان العراق شبه المستقلة والتي أرادت الانفصال عن بغداد وفشلت في تحقيق أهدافها.
إلا أن ذلك لم يمنع دمشق من تعزيز وجود قواتها في عين العرب والقامشلي، أملاً بانسحاب أميركا يوماً ما من المنطقة واقتناع أكراد سورية الانفصاليين أن ضمانتهم الوحيدة ليست أميركا - التي كان أعلن رئيسها دونالد ترامب عن قراره بالانسحاب الكلي قبل أن يفرض البنتاغون إعادة النظر بقراره - بل وحدة العلاقة مع دمشق.
إلا أن استعادة دمشق وقيادتها المركزية السيطرة، سيقضي على حلم الأكراد بالانفصال نهائياً، بالإضافة إلى خشيتهم من انتقامٍ في ضوء اعتبارهم من الرئيس بشار الأسد، «خونة» لتعاملهم مع القوات الأميركية.
منذ أسبوعين تقوم القوات التركية بقصف المناطق الكردية وكذلك تضرب طائراتها الحربية وطائراتها من دون طيار، عشرات المواقع من دون هوادة. ومما هو ظاهر أن تركيا تقول إنها تحضّر للتقدم نحو منبج وعين العرب، إلا أن ذلك يعني كسْر مواقع دفاع الجيش السوري وهذا ما لن تقبل به روسيا.
على أن العلاقة بين أميركا وتركيا، وروسيا وإيران وأنقرة من جهة أخرى، تعطي أردوغان نقاط تفوُّق على جميع اللاعبين الموجودين في شمال سورية. إذ إن أميركا لا تريد اغضاب تركيا، الحليف في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتنتظر منها الموافقة على انضمام عضوين جديدين (فنلندا والسويد).
كذلك يتمتع أردوغان بموقع جيو - سياسي مهم جداً على أبواب القارة الأوروبية ويقوم بدور الإطفائي النسبي في الحرب الأوكرانية.
ولا تريد روسيا اغضاب أنقرة التي تحضّرها لتصبح المركز الرئيسي لتجميع الغاز ولديها أنابيب «ترك ستريم» الغازية التي يتدفق منها الغاز الروسي إلى تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن موسكو تعتبر علاقتها مع أنقرة خرقاً لحلف «الناتو» وتتعامل معها على أنها شريك مهم في الشرق الأوسط.
أما طهران فتعتبر تركيا منفذاً اقتصادياً مهماً لها، حيث توجد مئات الشركات الإيرانية التي تستخدم الأراضي التركية للالتفاف على العقوبات الأميركية القاسية خصوصاً بيع النفط وموارد أخرى ما ضاعف التبادل التجاري بين نحو 20 إلى 49 في المئة.
وقد بلغ حجم التجارة بين البلدين 7.5 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 30 ملياراً، كما صرح أردوغان.
إلا أن تقسيم سورية، لا يصبّ في مصلحة روسيا وإيران، حيث توجد القاعدة الروسية البحرية التي تشكّل نافذة موسكو الوحيدة على المياه الدافئة.
وتَعتبر إيران أن سورية هي جزء أساسي في «محور المقاومة» وأن إضعافها يضعف الحلف برمّته.
ولذلك فإن الجميع، بما فيهم أميركا التي تريد المحافظة على تدفق موارد سورية إليها وحماية القوات الكردية الانفصالية، يريد منْع تركيا من قضم أراضٍ جديدة على حساب مصالح الآخرين. وتبقى تركيا المستفيد الأول من أي خطوة تقوم بها وهي تعلم أن «الحبيب عرف مكانه فتدلّل».