ما سر تصاعد الموقف الغربي ضد إيران؟

صورة تداولتها مواقع التواصل لاحتجاجات في إيران
صورة تداولتها مواقع التواصل لاحتجاجات في إيران
تصغير
تكبير

أبلغ مستشار رئيس وزراء أوروبي، «الراي»، أنه «عندما يريد الأميركيون أن تناصر أوروبا حملة أو قضية معينة، نتلقى قطعة من الورق بتعليمات مكتوبة علينا اتباعها. وعادة لا يعترض رئيس الوزراء أو الوزير المختص في تنفيذ إملاءات الولايات المتحدة، كما هي. ولذلك فإن صناع القرار يتجنبون أي صداع وتنفذ إرادة واشنطن من دون تأخير ونتجنب أي نقاش حتى لو كانت الاقتراحات الأميركية تتعارض مع مصالحنا أو سياستنا الخارجية».

لم تفاجأت إيران بالمواقف الغربية، الأميركية والأوروبية، من الحملة ضد من تعتبرهم «مجموعات لإثارة الشغب، مدعومة من الخارج».

وهو ما عبر عنه انتقاد المستشار الألماني أولاف شولتس، وتبنّي الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، عقوبات الاتحاد الناشئة عن آخر 60 يوماً من أعمال الاحتجاج و«الشغب» في إيران.

وثمة من يعتقد أن المواقف الأوروبية تتماشى مع أهداف الولايات المتحدة، ولا صلة لها بمصالح القارة الاقتصادية والسياسية مع طهران، الأمر الذي يطرح سؤالاً على جانب من الأهمية: ما سر تصاعد الموقف الغربي ضد إيران؟

ففي ضوء الحملة التي شنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أجل «حرية التعبير»، ثمة من يعتقد ان مثل هذه المبادئ غالباً ما تستخدمها الولايات المتحدة، فقط ضد أعدائها أو عندما يقرر بعض حلفائها الطعن في هيمنة واشنطن.

ويذكر هؤلاء بما قيل لوزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون في رسالة من كبار العاملين في وزارته عند تسلّمه مهامه لإفهامه سياسة واشنطن العامة.

ومن الدلائل على ازدواجية المعايير الأميركية، تبرز قضية الإعلامي جوليان أسانج، الذي يواجه 175 عاماً في السجن بسبب قيامه بعمله وكشفه وقائع الأعمال الأميركية في العراق، ووثائق سربت له من داخل الإدارة الأميركية.

كما معاقبة قناة «برس تي في» الناطقة باللغة الإنكليزية وحجبها عن العمل في دول غربية عدة بسبب تبعيتها لإيران.

وينقل عن مصادر إيرانية، ان الضغط الغربي على طهران يراد منه - كهدف آني - جلبها إلى الاتفاق النووي كدولة هشة وإجبارها على التخلي عن مطالبتها بضمانات من واشنطن للبقاء ضمن الاتفاق في خطة العمل الشاملة المشتركة، على عكس ما فعله الرئيسان السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، وعدم فرض عقوبات إضافية على إيران تحت عناوين مختلفة.

أما الهدف الآخر الغربي بعيد المدى ولكن الطموح وصعب التحقيق، بحسب هذه المصادر، فهو «زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية والإطاحة بنظامها واستبدالها بدولة منقسمة متعددة الأعراق أو فرض دمية أميركية» (مثل ابن الشاه المعزول علي رضا بهلوي).

دوائر قريبة من طهران ترى أنه من منظور غربي، أصبحت إيران تشكل إشكالية بسبب قدرتها غير المسبوقة على تحدي أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط وتحالفها مع دول آسيا، وفي مقدمتها روسيا.

علاوة على ذلك، وبغض النظر عن العقوبات القاسية التي تنوء تحت وطأتها منذ 43 عاماً، فهي تملك القوة المالية والأيديولوجية لدعم «محور المقاومة» المستعد للدفاع عنها - والعكس صحيح - ضد أي تهديد.

كما أعلنت طهران أن لديها صواريخ بالستية فرط صوتية لا يمكن لأي نظام دفاع صاروخي قائم اعتراضها.

وبهذه القدرات، فإن إسرائيل وعشرات القواعد العسكرية الأميركية تصبح تحت مرمى صواريخها الدقيقة وطائراتها المسيرة المسلحة والانتحارية.

ويذكر هؤلاء أنه سبق لإيران أن قصفت قاعدة عين الأسد الجوية الأميركية في العراق عام 2020، وأصابتها «بـ16 صاروخاً يحمل الواحد منها أكثر من 1000 رطل من الرؤوس الحربية المتفجرة، وكان باستطاعتها تدمير ما بين 20 - 30 طائرة وقتل ما بين 100 إلى 150 جندياً لو لم يحدث الإجلاء قبل ساعات»، كما قال الجنرال الأميركي فرانك ماكنزي.

وفي تقدير هذه الدوائر، أن التصنيع الإيراني المتقدم للطائرات من دون طيار التي تم تسليمها إلى روسيا، غيرت مسار الحرب في أوكرانيا، ما أزعج أميركا وحلفاءها.

إضافة إلى أن التحالف الذي تعقده إيران مع «منظمة شنغهاي للتعاون» واقتراب انضمامها إلى «دول البريكس»، التي تمثّل نصف سكان العالم، يجعل معظم العقوبات الأميركية بلا قيمة. ولهذه الأسباب وأكثر، أصبحت إيران الهدف المفضل للغرب.

وفي اعتقاد المصادر القريبة من طهران، ان الحملة الشديدة بدأت عبر استخدام وسائل الإعلام الفارسية والشبكات الاجتماعية الغربية

لـ «شيطنة» إيران ونقل المعركة إلى داخلها بهدف تقويضها عبر شن هجمات وأعمال تخريبية وإظهار أن الشعب الإيراني هو الذي ينتفض، وذلك تعويضاً عن فشل آلاف العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة لإجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذ كان من الضروري حينها قلب المجتمع الإيراني ضد قادته وإضعاف موقف طهران التفاوضي.

وليس جديداً مشاهدة نوع من «الثورة الملونة» - التي أتقنتها الولايات المتحدة في العديد من الدول الأخرى - لكن هذه المرة تحت عناوين رنانة مثل «حرية المرأة».

فلأعوام عدة، اتحدت دول الغرب لبناء رأي عام معادٍ للسياسات الإيرانية، واستهداف الجماهير بين الأقليات الإيرانية غير الفارسية والتركيز على حرمان الإيرانيين من الرعاية الاجتماعية (مقارنة بسكان المنطقة).

ولفتت المصادر عينها إلى مشاركة مراكز الفكر الإعلامية والمعارضة الإيرانية في الخارج في شكل كبير في الحملة المناهضة... وتم تمويل البرامج التلفزيونية والإذاعية إلى جانب مواقع الويب باللغات العربية والإنكليزية والفارسية لتقديم ما يجري على أنه «انتفاضة» في كل أنحاء البلاد.

وركّزت وسائل الإعلام على آلاف المتظاهرين و«مثيري الشغب» وتجاهلت ملايين الإيرانيين الذين نزلوا إلى الشوارع لدعم قادتهم.

وقد تم بناء منصات من وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء مركز للدراسات والبحوث حول الشؤون الإيرانية وقناة إخبارية ناطقة بالفارسية من بريطانيا ودول أخرى لبث الأخبار على مدار الساعة والتي تتوجه إلى الشباب الإيراني.

وتركز وسائل الإعلام المناهضة، على إنفاق طهران نحو 24.6 مليار دولار على التسلح ودعم «حركات المقاومة» مالياً وعدم الإنفاق على شؤونها الاجتماعية الداخلية.

ويتحدث محللون غربيون عن «أنشطة إيران الخبيثة في الشرق الأوسط». وهم يشيرون إلى قدرتها الصاروخية، ودعمها لـ«محور المقاومة» الذي يمثل خط دفاع عنها وتحدياً للهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط، ودعماً للفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وحفزت حملات مثل «تخيل لو كانت هذه إيران»، من قبل نشطاء مراكز الفكر والفنانين، وشجعت المشاركة عبر الصور ومقاطع الفيديو والنصوص لزيادة الوعي حول أسلوب حياة أفضل في المستقبل، وإبراز استعداد المجتمع للتغيير في حال الإطاحة بالنظام الحالي.

ومما لا شك فيه أن هذه الأدوات الفعالة، مدروسة بعمق بهدف إسقاط «الجمهورية الإسلامية» وإبراز أهمية التعبير عن الذات والهوية، وكيف يريد الشباب أن تكون إيران إذا انضمت إلى الغرب.

وقالت مصادر وثيق الصلة بطهران، ان إيران تواجه دعماً تتلقاه الحركات الانفصالية في سيستان بلوشستان على الحدود مع أفغانستان وباكستان في محاولة لتقسيم إيران وربما لتعطيل نشاط ميناء تشابهار الذي يربط إيران بآسيا الوسطى الذي يزعج أميركا.

كذلك بدأت «أعمال الشغب» على الحدود الإيرانية - العراقية في الأهواز غرب إيران وفي الشمال الغربي في مناطق كردستان المتاخمة لإقليم كردستان العراقي المعروف بإيوائه حركات انفصالية تشن هجمات على إيران التي ترد بقصف هؤلاء داخل العراق.

وثمة من يرى أن أميركا لا تأبه لأحوال الشعب الإيراني الذي تفرض عليه العقوبات ويتأثر بها في الدرجة الأولى.

ويذكر هؤلاء بما سبق أن قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عندما كان في منصبه، عندما تحدث عن أنه «يجب على إيران الاستماع إلى الولايات المتحدة إذا أرادت أن يأكل شعبها»، ما يؤشر إلى أن الجملة الصادرة عن أحد كبار المسؤولين الأميركيين هدفها إرادة إيران وليس دعم حقوق الشعوب.

من هنا يصبح من غير المستغرب - في رأي المصادر - أن نرى العديد من الناس في كل أنحاء العالم، بمن فيهم الإيرانيون، يسقطون في فخ الدعاية القوية التي تهدف إلى تغيير النظام الإيراني.

حتى أن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو انطلت عليه رواية إخترعتها وسائل إعلام غربية تقول إن «إيران حكمت على 15000 متظاهر بالإعدام»، مما إضطره لاحقاً إلى حذف تغريدته، وتالياً على طهران أن تتوقع عقوبات أكثر صرامة رغم أنه لم يتبق سوى القليل لفرضها بعد عقوبات الولايات المتحدة (الـ 3600) وأن تتهيأ لمحاولات «أكثر عدائية» في المستقبل لأن جميع، ما وصفه بـ«أعمال الشغب»، فشلت في تحقيق أهدافها في إسقاط «الجمهورية الإسلامية».

وستتواصل محاولات «الشيطنة»، ما دام الضالعون فيها عازمين على ضرب إيران لإجبارها على الخضوع.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي