No Script

قيم ومبادئ

احترام أعمال السيادة

تصغير
تكبير

مصطلح «شأن سيادي»، قضية من قضايا القانون الإداري الجدلي، الذي نشأ أخيراً في فرنسا لحماية قرارات الملك مقابل سلطة البرلمان عام 1830م، وأحسن ما جاء في تعريف أعمال السيادة، أنها طائفة من الأعمال التي تباشرها سلطة الحكم من أجل الحفاظ على كيان الدولة، وتحديد شكل نظام الحكم والعلاقة بين السلطات، وأساس هذا الحق مبني على الرأي الراجح في الفقه بتقديم الصالح العام على الخاص المعتمد أساساً على قاعدة «درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح».

وتأسيساً على ما سبق، نخلص إلى القول إنّ تحديد التكييف القانوني لأي عمل تقوم به السلطة التنفيذية لمعرفة ما إذا كان هذا العمل إدارياً، وبالتالي يخضع لسلطات القاضي أو عملاً من أعمال السيادة التي يقصر سلطان القضاء عنها، وبالتالي لا يمتد بساط القضاء عليها - إنما هو طبيعة العمل ذاته - وفيما أعلم - لا توجد قائمة أو لائحة في الدستور أو القانون حصرت أو قصرت أعمال السيادة في نقاط معينة، علماً بأن المحكمة الدستورية تملك رقابة قضائية تحكم بها على دستورية القوانين...

وهنا نجد أن بإجماع القضاء والفقه على حد سواء، بتوافقهما في ذكر طائفة من تصرفات الحكومة التي تكون لها طبيعة سيادية، مثل ما يتعلّق باستراتيجيات إدارة الثروات الطبيعية وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث وترتيب العلاقة بين الحاكم والمحكوم والبرلمان وفي مجال العلاقات الخارجية وعقد الاتفاقيات وشؤون الدفاع وإعلان حالة الطوارئ وإعلان الحرب وتنظيم الجيش والتعبئة العامة وإعلان المقاطعة والحصار وتعليق الدستور واتخاذ مراسيم الضرورة في حالات الكوارث الطبيعية كما تشمل السيادة النظام النقدي والمصرفي للدولة والتقويم الهجري والميلادي وأوقات الصلوات، ومن هذا نستخلص أن أعمال الحكومة لها طبيعتان، فإذا قامت السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم من قبيل أعمال الحكومة فهذا العمل يعتبر سيادياً،

أما إذا قامت السلطة التنفيذية بوصفها سلطة إدارة، فهي تعد من قبيل الأعمال الإدارية.

ولعل أهم ما يميز العمل السيادي عن العمل الإداري (معيار الباعث، ومعيار الموضوع).

أما معيار الباعث فنقصد به معيار الهدف من إصدار السلطة التنفيذية لهذا العمل، فإن كان الباعث سياسياً بحتاً فإنه يعتبر لا محالة من أعمال السيادة.

أما معيار الموضوع، فنقصد به طبيعة العمل الصادر عن هذه السلطة، فإن كان مما سبق الإشارة إليه من أعمال السيادة، فهو بلا شك من أعمال السيادة.

وبعدما تمهدت هذه المقدمة، نأتي لنضع عليها الأساس، وهو ما جاء به الإسلام لإصلاح شؤون العباد والبلاد، فنقول: لا تقوم مصالح المسلمين الدينية والدنيوية إلّا بجماعة، فالإنسان مدني بطبعة، كما قال ابن خلدون. والاجتماع الإنساني ضروري وهو محتاج لتحصيل قوته ويستحيل ان تفي بذلك قدره الواحد، فلابد من الاجتماع بالقدر الكثير من أبناء جنسه، وهذا الاجتماع لا يكون الإ بإمام، ولا إمام إلا بسمع وطاعة، فهذه جملة أمور آخذ بعضها بركاب بعض فلابد من مراعاتها والعمل على تحقيقها لتقوم مصالح الجميع.

وهذه الأمور السيادية عبّر عنها علماء السياسة الشرعية بحقوق ولاة الأمور والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حذّرنا من مخالفتها، وعدّ ذلك من أمور الجاهلية، وهذه الحقوق أوجبها الشارع الحكيم على المحكوم تجاه الحاكم حتى يتمكن من القيام بواجباته السيادية لتحقيق الصالح العام.

ومن هذه الحقوق واجب النصيحة والحذر من الغش والحقد والخديعة.

والواجب الثاني، عدم منازعته في ولايته وسلطانه، وأما التخلي عنه وعدم التقبل منه فإنه من أمور الجاهلية.

الواجب الثالث، السمع والطاعة في المنشط والمكره والعُسر واليُسر ما لم يأمر بمعصية.

الواجب الرابع الصبر على أذاه حتى وإن نالك بصورة شخصية مباشرة مع الدعاء له بظهر الغيب، هكذا فعل الإمام أحمد وغيره، من أئمة السلف مع الحكام الظلمة.

الواجب الأخير عدم رفع الصوت عليهم فضلاً عن تنقيصهم والوقيعة فيهم، فإن ذلك يجلب شراً عظيماً وبلاء عاماً شنيعاً ولنا في «ثورات الربيع» عِبرة لمَنْ كان له قلب أو ألقى السمعَ وهو شهيد.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي