الحرب الروسية - الأميركية تهزّ العالم... وتستمرّ طويلاً
يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه «سيدافع عن كل شبرٍ من أراضي دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)»، مع العلم ان لا أحد تَعَرَّضَ لهذه الدول، بينما يؤكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ان مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون أصبحت أراض روسية، وانضم سكانها إلى روسيا الاتحادية.
وهذا يعني أن مناطق كبيرة في هذه المقاطعات لم تتحرّر بعد، ما يؤكد أن الحرب الروسية مستمرة، ومن المتوقع أن تشتدّ وطأتها أكثر مع ارتفاع الدعم العسكري والمادي الأميركي لأوكرانيا والذي أسفر لغاية اليوم عن مقتل أكثر من 50 ألف جندي أوكراني وجرْح 150 ألفاً وخسارة كييف لـ 100 ألف كيلومتر مربع من أراضيها ومدن على بحر آزوف والبحر الأسود ومصانع مهمة والمفاعل النووي الأكبر في أوروبا. فإلى أين تتجه الأمور؟
في كل الحروب، تصبح المعارك كرّاً وفرّاً ينتصر فيها فريقٌ على آخَر يستطيع أن يسجّل بعض الانتصارات التكتيكية، مثل استعادة منطقة خاركيف وليمان وغيرهما.
ومن المعلوم أن هناك ضباطاً كبار من قادة أركان 20 إلى 30 دولة مجتمعين تحت قيادة الولايات المتحدة في قاعدة رامشتاين الألمانية مجهّزين بالأقمار الاصطناعية وقدرات أجهزة الاستخبارات التابعة لهم وأسلحة مُناسِبة ويعملون على إيجاد الثغر في المقلب الروسي أو الخطّ الأقل حماية على طول 800 إلى 1000 كيلومتر التي تشكل الجبهة الأوكرانية - الروسية.
ويعمل هؤلاء الضباط الكبار في بيئةٍ موالية في ألمانيا وليس في منطقة الحرب ولا يتعرّضون للضغط النفسي والمعنوي، علماً أن أي خطأ في خططهم يعني العديد من القتلى الأوكرانيين وليس قتلى ينتمون لدولهم. ومن هنا تُفهَم الهجمات المتتالية إلى حين تحقيق أي نصر يستطيع الغرب استثماره في حربه الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لضرْب المعنويات الروسية أو المُعادين للأحادية العالمية ولسياسة الغرب وإظهار بوتين وكأنه يخسرالحرب.
لابد هنا من التوقف عند أداء الجيش الروسي الذي أَظْهر عدم كفاءته، رغم تَكاثُر الأعداء ودعم الغرب اللامحدود لمحاولة هزيمته وإزاحته عن هدف إنهاء الأحادية في العالم.
فالجيش الروسي لا يرتقي إلى طموحات بوتين وأهدافه، وتالياً فإن هذه الحرب الدائرة ستدفع موسكو إلى تجديد جيشها وأسلحتها بما يتناسب مع الحروب الكلاسيكية وليس فقط الحروب الفضائية والنووية.
واعتقد الغرب أنه يستطيع هزيمة روسيا خلال شهر أو الأشهر الأولى من الحرب، كما قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.
وفي عقلية الغرب السطحية، فإن شراء الغاز والنفط والمعادن من روسيا يعني السيطرة على اقتصادها ما سيسمح للقارة الأوروبية بتقديم شروطها حين تشاء.
ولم تلتفت أوروبا إلى أن موسكو كانت تعتمد على الطاقة كمصدر شبه رئيسي لميزانيتها بنسبة 70 في المئة. إلا أنها خفضت نسبة الاعتماد على موارد الطاقة لتصل إلى 30 في المئة بعد الحرب السورية وتَصادُم المصالح الروسية - الأميركية حول تغيير النظام في دمشق.
من هنا بدأت المعركة على الأحادية العالمية، ليس كي تأخذ روسيا مكان أميركا بل لإزالة هذا الموقع من العالم، بعدما سيطرت واشنطن على العالم كامبراطورية أحادية منذ سقوط جدار برلين والبريسترويكا عام 1991.
ومن الطبيعي أن تستخدم الولايات المتحدة جميع الأسلحة المتاحة للحفاظ على موقعها على رأس امبراطورية العالم. ولذلك فإن الحرب الدائرة ستصبح أكثر شراسة لأن الطرفين الأميركي والروسي لا يستطيعان الخسارة.
وبعدما أصبحت المناطق الأوكرانية أراضٍ روسيّة، فإن موسكو قد التزمت بالدفاع عنها واستعادتها بالكامل، لأن هناك مناطق في دونيتسك وزابوريجيا وخيرسون مازالت تحت السيطرة الأوكرانية.
وهذا يعني أنه يتوجب على روسيا تحريرها مهما كلّف الأمر وإلا تُعتبر أراضٍ روسية محتلة وأن موسكو لا تستطيع الدفاع عن أراضيها، وهذا سيشكل انتكاسة كبيرة للكرملين، وهو ما لن يسمح به بوتين الذي إستطاع إقناع العدد الأكبر من السكان بدعم حملته العسكرية والإصطفاف خلفه في معركته مع أميركا والغرب رغم وجود عدد صغير نسبياً من المعارضين.
حتى هذا الشهر، تدافع أميركا وحلف «الناتو» عن مكانتهما في العالم على الأراضي الأوكرانية. ولغاية اليوم، استطاع بوتين تحقيق تَقَدُّم ومكتسبات مهمة بغض النظر عن أداء جيشه غير المتوقَّع.
وتوسّعت الأراضي الروسية بصرف النظر عن اعتراض وصراخ الأمم المتحدة والغرب وعدم الاعتراف بضم موسكو لأراضٍ أوكرانية والذي لا يبدو أنه يغيّر أي شيء في الواقع على الأرض.
يرقد خطا «نوردستريم» 1 و2، بسلام معطلّيْن في بحر البلطيق، لتُمنع أي محاولة من أوروبا للاستجابة لشعوبها والعودة إلى شراء الطاقة من روسيا بعد ارتفاع الأسعار في شكل جنوني وغضب هذه الشعوب التي تدفع فواتير تتخطى طاقتها.
ستسقط الأحادية العالمية - رغم قوة واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي - لأن الخسارة ممنوعة على روسيا وحلفائها، وتالياً فإن بوادر حرب أكبر وأوسع وأشرس - من دون احتمال كبير ولكن موجود باستخدام السلاح النووي الذي تدرك موسكو أن واشنطن تتمنى حصوله للقبض نهائياً على أوروبا - تلوح في الأفق لمدة طويلة سيبقى الكلام عنها لأشهر مقبلة وسيهتزّ لها العالم.