No Script

خواطر صعلوك

آفة ديرتنا... «الأفورة»!

تصغير
تكبير

«آفة حارتنا النسيان»، كما قال نجيب محفوظ، رحمه الله، وسوف أضيف عليه اليوم أن آفة ديرتنا «الأفورة»!

والأفورة من الـ «over» والمبالغة في التعامل مع الأمور.

ومن مظاهر «الأفورة» والمبالغة هي أننا نقارن حياتنا دائماً بالأكثر ثراءً والأكثر متاعاً والأكبر رصيداً والأعلى دخلاً!

نقارن أنفسنا بالتاجر الثري، صاحب البيت من تلك البيوت البرجوازية العريقة المؤسسة على ثلاث طبقات كبيرة من الرخام الملكي في عهد هنري الرابع، ونشعر أن بيتنا ليس على ما يرام، وأحوالنا ليست على ما يرام، وقد قال سيد الخلق وإمام المرسلين «انظروا إلى من هو دونكم، فإنه أدوم أن تدوم نعمة الله عليكم».

أحياناً يكون الإحساس بالفقر أو الغنى لا يعتمد على ما لدى الفرد من نقود أو ما يدخره من مال أو ما لديه من ممتلكات، وإنما يعتمد بالأحرى على مشاعر الحرمان النسبي بالمقارنة مع الجماعة المرجعية المختارة.

المقصود بالجماعة المرجعية هي «الناس اللي نقارن نفسنا فيهم»... ونحدد كفايتنا من عدمه من خلال المقارنة بما لديهم، ليس فقط على مستوى المال والثروة «والسيارة اللي راكبينها والبلد اللي سافروا له» بل أيضا المقارنة عبر معايير النجاح والإنجاز.

وقد يأخذ قارئ «مأفور» بتلابيبي، ويقول لي «يا أخي هذا طموح وشغف... واحنا أغنى ديرة بالعالم... شنو المشكلة لما تكون جماعتي المرجعية ناس كلهم مرتاحين».

في الواقع عزيزي القارئ، إني لا أدعو إلى كبت طموحك وأهدافك في أن تنتقل من خانة الجندي إلى خانة الفيل أو الوزير أو حتى أن تسكن في القلعة، بل أشير إلى «الأفورة» في أننا نمارس دور الفيل والوزير ونحن مازلنا في خانة الجندي نفسه، بخاناته ومربعاته وتحركاته ومحدوديتها... وأن أحد أهم مظاهر اعتقادنا أننا جميعاً سياسيون وخبراء دستوريون ومستشارون، ونستحق أن ندير الدولة رغم ضعفنا عن إدارة أقسام من الإدارات الوسطى والصغرى، أو حتى إدارة مصروفاتنا ووقتنا، وأننا نستحق حتى لو لم ننتج، ونأخذ حتى لو لم نعط، ونأخذ شهادات حتى لو لم ندرس... كل ذلك أعراض جانبية لثقافة «الأفورة» في التصورات.

من مظاهر «الأفورة» أننا نحب الخطاب السياسي الذي فيه حوافر خيل وصوت صهيل وأنصلة وخناجر، ورأس أحد المماليك على طبق من نحاس يخرج من إحدى البيوت! وتنتشر بيننا مقاطع فيديو للجمهور الذي يصفق ويغني حيث ترك مقاعد المدرجات في الملاعب وجلس على كراسي متابعة الجلسات في المجلس!

حالة من الهرولة نحو الاستقطاب باستمرار، منذ 2005 وحتى اليوم.

ومن مظاهر المبالغة أن «وثيقة قيم» فيها وجهة نظر لشكل الإصلاح الذي يناسب أصحابها، كتبها مجموعة من الشباب المُتدين، وزكاها الشيخ الدكتور عثمان الخميس، ووقع عليها بعض المرشحين، ونحن نعلم والشباب الملتزم يعلم والحكومة تعلم والليبراليون والمرشحون يعلمون أنها لن تُطبق لاعتبارات كثيرة...، ولكن «الأفورة» جعلت منها برنامجاً انتخابي للموافقين والمعارضين، وظهرت وثائق قيم أخرى للرد عليها من قِبل مثقفين وكُتاب.

آفة ديرتنا «الأفورة» والهرولة نحو هالة الاستقطاب في كل شيء. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي