No Script

ماذا يعني الاستدعاء الجزئي لقوات الاحتياط؟

روسيا تنقل الحرب مع الغرب إلى مرحلة أكثر خطورة

جنود روس خلال عرض عسكري في موسكو
جنود روس خلال عرض عسكري في موسكو
تصغير
تكبير

بعد إعلان مقاطعة دونباس والمدينتين الواقعتين على نهر دنيبرو، زابوريجيا (وفيها أكبر مفاعلات نووية في أوروبا) وخيرسون، الملاصقة لشبه جزيرة القرم، عن استفتاء لضمها إلى روسيا، تصبح هذه المناطق أراضي تابعة لموسكو مباشرةً، وتالياً فان أي هجوم أوكراني عليها سيعتبر تعرضاً مباشراً للأراضي الروسية وسيتوجب الدفاع عنها بشتى أنواع الأسلحة، بما فيها النووية التكتيكية والتقليدية إذا توجب الأمر.

وتزامن هذا الإعلان مع الخطاب الشديد اللهجة للرئيس فلاديمير بوتين، الذي أعلن عن التعبئة الجزئية لإضافة 300 ألف رجل إلى ساحة المعركة إظهاراً لتصميمه على مواجهة الولايات المتحدة ومعها حلف شمال الأطلسي (الناتو) على الأراضي الأوكرانية... فهل ستسرع هذه الخطوة نهاية الحرب؟

طبعاً الجواب كلا! هذه بداية الحرب ولكن بوتيرة أشد قسوة وأكثر شراسة بين روسيا والولايات المتحدة على أرض أوكرانيا.

ومما لا شك فيه، انه كان لا بد لموسكو من الإعلان عن تسريع الصناعة الحربية للصواريخ والمعدات اللازمة وزج قوات جديدة بعد خسارتها لمنطقة خاركيف الشمالية، والتي تعد خسارة مدوية لآلاف من الكليومترات المربعة في أيام قليلة.

لم يكن هناك عدد كافٍ من القوات للدفاع عن المكتسبات الروسية في الأراضي الأوكرانية، لذلك، دعا بوتين للتعبئة الجزئية لقوات إضافية كانت تخدم سابقاً في القوات المسلحة.

إلا أن علوم الحرب تفترض بالقوى المهاجمة، زج ثلاثة أضعاف القوات المدافعة على الأقل.

وفي هذه الحال، فإن عدد القوات الروسية المهاجمة مع قوات الاحتياط الجديدة، أصبح يضاهي عدد القوات الأوكرانية ليس إلا، وتالياً من الممكن أن يزداد عدد القوات الروسية أكثر من المعلن عنه اليوم، في حال أراد بوتين تسريع وتيرة الحرب وإنهائها بسرعة، ويبدو أن هذا الهدف ما زال مستبعداً.

وثمة نقطة أخرى مهمة هي توقيت زج هذه القوات: إذ ان في الجيوش (ما عدا في إسرائيل) لا تُخضع القوات التي خرجت من الخدمة لتدريب سنوي منتظم ولا تهيئ لها الاندماج في الوحدات الاختصاصية التي يجب أن يلتحق بها المتقاعدون أو من أنهوا الخدمة العسكرية، وتالياً فان إعادة التدريب والتأهيل والتوزيع على الوحدات بحسب الاختصاصات، يتطلب شهراً على الأقل أو شهرين لزج هؤلاء في المعركة أو حتى لحماية الحافة الأمامية للجبهة لمنع أي اختراق.

بالإضافة إلى أنه يراد من انخراط المتطوعين الجدد كهدف أولي، تدعيم الجبهات الممتدة إلى أكثر من 800 كيلومتر طولي لتتمكن القوات المقاتلة التفرغ للتقدم وتحقيق الأهداف المرجوة.

وبدا خطاب بوتين حاسماً في تصميم روسيا على تحقيق أهداف متقدمة في أوكرانيا، وواضحاً في أن بلاده تخوض حرباً شاملة مع الغرب برئاسة الولايات المتحدة، وتالياً فان موسكو ستكثف استخدام سلاح الجو والصواريخ فرط صوتية وبارجاتها في البحر وما تحمله من صواريخ مجنحة وقوات المشاة المدعومة بالمدرعات، إضافة إلى الطائرات المسيرة بعد تزويد إيران لروسيا بأعداد كبيرة منها.

ولم يكن مفاجئاً بالنسبة إلى الجيش الروسي، استدعاء قوات إضافية بعدما أعلن وزير الدفاع سيرغي شويغو ان خسارة جيشه بلغت 5973 قتيلاً.

ما يعني أن عدد الجرحى أضعاف مضاعفة، وهذه أرقام كبيرة جداً لخسائر سقطت في أشهر قليلة في أوكرانيا خصوصاً ان خسارة روسيا اقتصرت على 15000 رجل في 9 أعوام في المعارك في أفغانستان.

وتقول مصادر غربية أن روسيا خسرت 20 في المئة من قواتها المحاربة.

وهذه الأرقام تبدو معقولة إذا كانت جمعت أرقام الجنود الروس الجرحى الذين خرجوا من المشاركة في المعركة.

وهذا يعني ان رأس الحربة والقوات المقاتلة تتعرض للتآكل، وتالياً فإن القيادة العسكرية تحتاج لتعويض الخسارة بإضافة قوات جديدة لتعزيز القوة المهاجمة، كما أعلنت القيادة الروسية.

من المعروف ان روسيا ليست كدول الغرب... فهي تستطيع تحمل الخسائر البشرية لتحقيق أهدافها، خصوصاً ان الهزيمة ممنوعة لانها ستؤدي إلى انكفائها عن الساحة الدولية وانتصار أميركا عليها.

وهذا يدل على أن المعركة ستكون أكثر شراسة، لأنه وعلى المقلب الآخر، لا تستطيع واشنطن أيضاً تحمل الخسارة، خصوصاً أنها ورطت خلفها حلف «الناتو» ودول أوروبا التي وجدت نفسها منخرطة في حرب لم تتوقعها ولم تتمناها ولا تستطيع الاستمرار في تقديم الدعم لصراع، ليس من شأنها وتدفع ثمناً لا يقوى سكانها على تحمل نتائجه الاقتصادية الباهظة الكلفة.

ولم تعد روسيا تتأثر بـ «شيطنتها» في الإعلام الغربي لأن ذلك حصل منذ أشهر وما زال مستمراً، وتالياً فان هجوم القادة والإعلام في الغرب على بوتين لن يغير في واقع المعركة ولن يقصّر من أمدها.

إلا أن نتائجها أصبحت ثقيلة جداً على أوروبا التي تستعد لشراسة المعركة المستمرة، والتي ترتفع وتيرتها ومعها أسعار الطاقة والغذاء.

ولا يملك أحد رؤية واضحة حيال مآل هذه المعركة ما دامت واشنطن مصممة على إبقاء، ولربما رفع، وتيرة الحرب الدائرة، ليس على أراضيها بل على أراضي دولة أخرى، بهدف استنزاف موسكو وتدمير اقتصادها إذا استطاع الغرب الوصول إلى هذه الغاية التي تبدو بعيدة المنال.

من الواضح ان المعركة بعيدة عن قرب نهايتها، ما دامت أوكرانيا صممت على تقديم نفسها قرباناً على «مذبح الحرب» بين الكبار.

وما يخشاه العالم، هو تصميم روسيا على الانتصار، وتصميم الغرب على المضي قدماً، رغم تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي إذا شعرت موسكو بأنها في خطر...

وتالياً فان السير على حافة الهاوية ما زال مستمراً والخطورة تكمن في تطور الأمور، خصوصاً أن خروجها عن السيطرة أصبح احتمالاً متزايداً أكثر من أي وقت مضى.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي