No Script

رؤية ورأي

معزوفات نشاز تنخرُ دولة المؤسسات

تصغير
تكبير

كما جرت العادة في معظم الانتخابات النيابية السابقة، تم توظيف الورقة الدينية في موسم الانتخابات الحالي، في عدد من المواقع والصور، أشهرها «وثيقة القيم». بعيداً عن رأيي الشخصي في مضمون ومقاصد الوثيقة، إحدى الإشكاليّات الجوهرية في الوثيقة تكمن في كونها وسيلة لسرقة إرادة الناخبين، ودفعهم إلى التصويت بعد تغييب الوعي العقلي، وتجاهل جميع المعايير الأخرى لتقييم المرشحين، من خلال استثارة الجانب العاطفي المرتبط بالحس الديني لدى الناخبين.

فالوثيقة أشبه بطوق نجاة للكثير من المرشحين «غير الأكفاء»، خصوصاً مجموعة من النوّاب السابقين الذين فازوا في الانتخابات السابقة بوعود ورديّة ورجعوا إلى السباق الانتخابي الحالي بخفي حنين، الذين عادوا بلا رصيد تشريعي رقابي.

إلى جانب الحس الديني، تبنّى العديد من المرشحين «غير الأكفاء» أنماطاً عاطفية أخرى لاستقطاب أصوات انتخابية غير مستحقّة، وأكثر الأنماط شيوعاً بهذه الانتخابات هو العزف على وتر محاربة الفساد المالي، بعد أن أكّدت نتائج انتخابات مجلس 2020 تنامي النزعة المجتمعية لمحاربة الفساد المالي، على حساب الحس الديني.

وحيث إن جل المعزوفات على وتر محاربة الفساد المالي امتزجت بنغمات نشاز، لها تبعات سلبية على المنظومة الديموقراطية الوطنية، لذا سأستعرض بإيجاز بعض التبعات السلبية لهذه المعزوفات النشاز. وذلك استجابة لدعوة القيادة السياسية إلى تصحيح المسار وحسن الاختيار في الانتخابات المقبلة، انتخابات تصحيح المسار الديموقراطي بعد نكبة مجلس 2020.

بادئ ذي بدء، الكثير من التجارب السابقة يشير إلى أن المرشح محصّن من تبعات التصريح بمعلومات مغلوطة. فمن جانب، إحالته إلى النيابة والقضاء ستصب في صالحه انتخابياً.

ومن جانب آخر، إذا لم يكن التصريح موجهاً ضد شخص معين بذاته، فإن الإحالة غالباً تنتهي بالحكم بالبراءة من منطلق أن التصريح كان في حدود حرية المرشّح في إبداء رأيه وحقه في نقد أعمال الحكومة.

وأما التبعات السلبية للمعزوفات النشاز، فأولها تحجيم دور النائب تجاه قضايا الفساد المالي، ضمن حدود دور الصحافي في جريدة استقصائية. فكشف حالات الفساد المالي – الخافية على الجهات الرقابية المعنية – مهمة الجرائد الاستقصائية، أو أحد الموظفين أو الأفراد المطلعين على حيثيات حالة الفساد. وأما دور النائب بمحوري المساءلة والتشريع فيبدأ بعد الكشف عن الحالة أو الشبهة، للتحقق من تفاصيلها والتصدّي لها. ولكن الوضع في الكويت معكوس، فنجد أن تصريحات مرشحين في شأن شبهات فساد مالي أكثر انتشاراً وتقديراً لدى الناخبين من تصريح أحد النوّاب السابقين عن دوره في تشريع «قانون حق الاطلاع» الذي عزّز الشفافية وسهّل الكشف عن عموم حالات الفساد.

والسلبية الثانية تتمثل في إلهاء الناخبين عن مساءلة النوّاب السابقين بمجلس 2020 عن التقصير في توظيف الأغلبية المريحة بالمجلس لصالح تشريع قوانين إصلاحية وتنموية، وعن تعطيل الدور التشريعي الرقابي للمجلس على مدى سنتين، سواء بممارسة الغوغائية أو بمهادنة الغوغائيين أو بالعجز عن التصدي لهم.

وبالنسبة للسلبية الثالثة فهي تتجسّد في إشغال الشعب عن متابعة قضايا فساد مالي كبرى طرحت في استجواب سمو الشيخ صباح الخالد. فالأولى أن يصرّح المرشحون في شأن مدى التزامهم بمتابعة تلك القضايا وبمحاسبة الحكومة المقبلة عن أي تقصير تجاه القضايا ذاتها.

وأما السلبية الرابعة فتتمحور حول طبيعة العلاقة بسمو الشيخ أحمد نوّاف الأحمد الصباح. فمن جانب، أعلن عدد من المرشحين الذين صرحوا في شأن شبهات فساد مالي أنهم سوف يسلّمون الملفات التفصيلية إلى سموّه، وهو إجراء مرفوض في دول المؤسسات. ومن جانب آخر، فضح بيان وزارة الداخلية في شأن حادثة مسجد الإمام الحسين – في نهاية شهر رمضان الماضي – حالة الخنوع والخضوع لدى الكثير من النوّاب السابقين تجاه سموّه عندما كان وزيراً للداخلية. فهل يتوقّع من هؤلاء مُساءلة سموّه في حال ترأسه الحكومة المقبلة؟

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي