No Script

مجرد رأي

رحيل الشعب...

تصغير
تكبير

كان سقراط يجلس بين تلاميذه ويتبادلون الكلام في ما بينهم، يأخذون ويردون عليه، وهو يصحح ويقيّم ويعلّم، يخوضون في موضوعات شتى مختلفة ومتنوعة بعدد تشعب الآراء واختلاف طرق الدنيا من حولهم.

وفي أحد النقاشات التي تعالى فيها الكلام كأنها رحى حرب حيث تتطاير الأفكار بين الأستاذ والتلاميذ... جاء أحدهم وهو يتبختر في مشيه، يزهو بنفسه، وسيماً بشكله، فنظر إليه سقراط مطوّلاً، ثم قال جملته الشهيرة التي أصبحت مثلاً «تكلم حتى أراك».

في الأيام الماضية وتحديداً منذ فتح باب الترشح لانتخابات مجلس الأمة المقررة 29 سبتمبر الجاري، بدا واضحاً أن الخطاب السياسي لغالبية المرشحين يُعاني من فقر حقيقي، مضموناً وهدفاً.

فاللافت سياسياً ومجتمعياً في جميع خطابات المرشحين عدم وجود برنامج انتخابي واضح ليسوقوه لمؤيديهم الفعليين أو المحتملين، بخلاف العبارات الرنانة والشعارات المرنة التي أطلقها معظمهم من قبيل «جئت لإحداث تنمية وطن»، و«انعاش المواطن»، و«الحفاظ على الكويت»، وغيرها من العبارات المنفلتة من أي برنامج انتخابي حقيقي، فضلاً عن الخلو تماماً من أي تفاصيل تعرّف الناخب بمَنْ يكون مرشحه.

في علوم السياسة لا توجد حدود حقيقية للسياسيين يمكن الارتكاز عليها بمختلف المراحل تنتقل بين الأجيال على أنها ثوابت، بل هي خطوط وهمية ومواقف متغيرة من صنع البشر لا وجود لها في الأصل، ويكون محركها الرئيسي عادة المزاج الانتخابي حيث يتم رسمها في خطابات المرشحين أو في اللقاءات أو في الإعلام، كخطوط متصلة أو مقطعة التوجيه في عقلية المتلقي حسب براعة وحنكة المرسل في إدارة الدفة الانتخابية.

من خلال قراءة سياسية مجردة، يمكن القول إنه يصعب أن تسهم البنية السياسية لغالبية المرشحين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة المقبلين في تقديم صورة متفائلة لمستقبل المجلس المقبل، ولقدرته على إحداث تغيير حقيقي سياسياً ومجتمعياً واقتصادياً وتعليمياً وبشرياً.

بالطبع، لا يُمكن إنكار السيادة الشعبية واعتمادها كقاعدة أساسية للتعامل السياسي، لكن ذلك لا يمنع حق إلقاء اللوم على الشعب إذا أساء اختيار مَنْ يمثله في مجلس الأمة المقبل، لاسيما بعد اختفاء التعقيدات الرئيسية التي كانت المعارضة تتشدق بها وتعتبر وجودها بمثابة تعطيل للبلاد وللعباد.

الخلاصة:

يصح القول إن للانتخابات النيابية المقبلة أهمية كبرى، باعتبارها مؤشراً رئيسياً على سلامة طريق الإصلاح الذي ستسير عليه الكويت مستقبلاً، وعلى القدرة الحقيقية للاعبي المرحلة على تحقيق التغيير المستهدف والطموح من الجميع.

ففي ظل أجواء الديموقراطية والشفافية التي عزّزها سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، في الخطاب الشهير الذي ألقاه نيابة عن سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد وحل فيه مجلس الأمة، يتعيّن أن يتحمل الشعب مسؤوليته في دعم العملية الانتخابية بحُسن الاختيار.

التحوّل الديموقراطي في جوهره، عملية تراكمية مفتوحة على التطوير المستمر، الأمر الذي يتطلّب زيادة وعي الشعب وفهمه لدوره الحقيقي ومسؤوليته في بناء مستقبله كشريك في هذه العملية الإستراتيجية بعيداً عن عقدة القبيلة والولاءات الشخصية والمصالح الفردية والنظرة الضيقة لأهمية ودور النائب في تغيير مستقبله كما يطمح.

ومن دون تدارك أهمية هذه التحوّلات وإحساس الشعب بمسؤوليته المرحلية سيكون شعار «رحيل الشعب» العنوان الأكثر واقعية للمرحلة المقبلة، ووقتها سيكون عليه تقبّل وجود مَنْ يقوم بالنيابة عنه في تحديد مستقبله ومصالحه واختياراته.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي