السياسيون يلملمون الجراح ويبحثون عن مخرج يُتيح إجراء انتخابات مبكرة
الدماء سالتْ في العراق فهل يَنْزِل الجميع عن... الشجرة؟
احتاج العراق إلى عشرات القتلى ومئات الجرحى، لإنزال جميع السياسيين عن الشجرة التي صعدوا إليها، بعدما رفضوا التنازل من أجل أمن العراق واستقراره.
وقد أعلن السيد مقتدى الصدر، أمس، إلغاء الاعتصامات و«تبرأ» من الفوضى الميليشيوية التي عاثت في البلاد، وأدت في أقل من 24 ساعة، إلى سقوط نحو 30 قتيلاً وأكثر من 700 جريح، قبل أن يذهب السياسيون للملمة الجراح والبحث عن مخرج سياسي يُتيح إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
بعد سلسلة من القرارات، بدءاً من الانسحاب من البرلمان والدعوة إلى التظاهر في داخله ومن ثم خارجه، والاعتصام أمام مؤسسات الدولة، وإعطاء الإنذار تلو الآخر للأحزاب الشيعية المُنافِسة، أدت لعبة الشارع إلى خروج شارع مماثل يتحدى الصدر وأنصاره، ويدفع العراق نحو حافة الهاوية، ما أدى إلى تصادم عسكري، عَكَسَ هشاشة الدولة وعدم قدرتها على السيطرة على البلاد، حين تدعو الحاجة لذلك.
إلا أن هذا الصِدام، الذي بدأ بدخول مناصري «التيار الصدري»، مبنى رئاسة الجمهورية والوزراء، وتصميم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي على إخراجهم، أدى إلى انزلاق الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.
وهذا ما دفع الصدر للجوء إلى مرجعية النجف، للتشاور والتأكيد على انسحابه من العملية السياسية (وقد سبق له إعلان ذلك في الأعوام الماضية ومن ثم العدول عن هذا القرار).
وفسّر البعض قرار الاعتزال، بأنه دعوة من الصدر، لإعطاء السلطة إلى الشعب، مصدر السلطات، إلا أن الطرف الآخر المقابل، فسّره على أنه «انقلاب» على السلطة الموجودة ما أدى إلى التصادم.
وبدا الأمر أكبر من «تصادم عفوي»، بل نتيجة تراكمات خطرة، مصدرها غياب الرؤية والإدارة السياسية ووحدة الهدف والعمل على عدم مراعاة أهداف الأحزاب السياسية الأخرى.
إلا أن ما حصل أثبت أن هيبة مؤسسات الدولة وفصل السلطات، «في مهب الريح».
كما أكدت الأحداث فشل الجميع في إدارة الدولة، لأن كل الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها وطوائفها ممثَّلة في الدولة ومؤسساتها.
فهناك مَن يُريد السلطة له وحده... وثمة مَن يعتقد انه يريد العودة إلى الحُكْم مهما كلّف الأمر... وهناك مَن تعلّم العمل في صفوف معارضة صدام حسين، ولم يتعلم أن يحكم الدولة ويتسلمّ إدارتها بعد سقوطه... وهناك مَن يظن أن العراق غنيمة ويريد الانفصال عن الدولة، وإعلان دولته الخاصة ولا يريد أن يحاسبه أحد على أخذ ثروات البلاد وإقامة التحالفات مع الخارج.
في ظل هذه التناقضات، يستحيل على أيّ طرف بناء دولة، إلا إذا آمن قادتها بضرورة العمل للمصلحة الوطنية بعد خلع صدام حسين وديكتاتوريته، والخروج الأميركي - نوعاً ما - من العراق.
أما الآن، فقد خرج الصدر - الذي أراد السلطة لنفسه دون غيره - مُنْتَصِراً مجدداً، إذ أثبت طاعة أنصاره له والتزامهم قراره بالانسحاب ووقف القتال حتى ولو كلف ذلك دماء كثيرة لن يتحمل نتيجتها أحد.
ومن المتوقع أن يبادر الجميع إلى خطوات تعيد إجراء الانتخابات النيابية وتُرْجِع الأمور إلى «المربع الأول»، لأن المحاصصة مازالت سيدة الموقف وتوزيع السلطات مازال العرف السائد.
أظهر العراق أن السلطة مازالت بيد الميليشيات، وان القوات الأمنية تجد نفسها مترددة أمامها، لأن المكوّن الأساسي لهذه القوات، هو جزء من هذه الميليشيات، التي نشأت عند سيطرة تنظيم «داعش» على مساحات شاسعة من العراق، وتالياً فإن مشوار «بلاد الرافدين» مازال طويلاً ليصبح دولة ذات سيادة تتمتع باستقلال من الداخل وعن التجاذبات الخارجية.