دورة تبادل الرسائل بين واشنطن وطهران عن طريق البريد الأوروبي لم تكتمل بعد

الاتفاق النووي «نضج»... لكن «لم يحن قطافه»

تصغير
تكبير

ظهرت أخيراً مجموعة من المؤشرات، تشي بإيجابية ما تحوط مآل المفاوضات في شأن الملف النووي الإيراني، التي بدت وكأنها في الأمتار الأخيرة...

الرئيس الأميركي جو بايدن، أجرى اتصالات مباشرة مع قادة في القارة الأوروبية (في برلين وباريس ولندن)، كخطوة اعتبرت تمهيداً لتقدم ملموس في الاتفاق النووي.

وثمة إيجابية في الطريق إلى الاتفاق، عكسها القلق الإسرائيلي. فتل أبيب اعتبرت أنها «غير معنية بالاتفاق» وشنت حملة دعائية ضده.

أما الوسيط الأوروبي جوزيب بوريل، فلم يتردد في الإعلان عن أن المقترحات الإيرانية «معقولة وجيدة» ويمكن البناء عليها لأنها عقلانية.

ورشحت معلومات عن أن اجتماعاً سيعقد الأسبوع المقبل في فيينا، للتباحث في النقاط القليلة - لكن المهمة - العالقة، وتالياً من الواضح أن الاتفاق بين إيران وأميركا «نضج»، إلا أن وقت القطاف لم يحن بعد.

طلبت إيران عبر مقترحاتها الجديدة، ضمانات تعاقب فيها أميركا اقتصادياً إذا خرجت من الاتفاق النووي.

ولم تتوقف عند مسألة رفع العقوبات عن الحرس الثوري عن «قائمة المنظات الإرهابية»، بسبب رفض أميركا هذا المطلب، الذي لم يأتِ كشرط إيراني أساسي، بل جاء ضمن سياق رفع كل العقوبات التي فرضت منذ عام 2015 بعد توقيع الاتفاق النووي في حينه مع الرئيس باراك أوباما.

وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أضافت مؤسسات الحرس الثوري، العسكرية والمدنية والاقتصادية، إلى لائحة العقوبات القصوى من دون أن يتمكن من إخضاع موقف طهران أو تليينه.

إلا أن إدارة بايدن اعتبرت أن عقوبات الحرس الثوري، متعلقة بدور إيران في الشرق الأوسط، وتمدد نفوذها. ولذلك، فقد وضع ملف العقوبات على الحرس جانباً إلى حين استعداد الولايات المتحدة للبحث بدورها في الشرق الأوسط وإمكانية انكفائها عن المنطقة.

ورفضت طهران التطرق إلى مناطق نفوذها، كجزء من المباحثات النووية، بل أبدت استعدادها لبحث وجودها، ووجود القوات الأميركية في المنطقة وقواعدها المنتشرة حول إيران، تحت عنوان واحد، لا صلة له بالملف النووي.

لذلك، فإن المطالب الإسرائيلية لم تؤخذ في الاعتبار على أساس أن إدارة بايدن تعمل لإعادة الاتفاق النووي الذي مزقه ترامب لمنع إيران من الوصول إلى القنبلة النووية، التي أكدت طهران أساساً أنها لا تريد صنعها، وتالياً لا إمكان لإضافة أي بند أو ملف آخر.

ونجحت طهران بتحييد ملف صواريخها الاستراتيجية الدقيقة ومسيراتها المسلحة، التي طورتها خلال العقود الماضية، عن الملف النووي.

وهذا ما أغضب إسرائيل، التي تجد نفسها عاجزة عن مهاجمة إيران «وجهاً لوجه» ولوحدها من دون مشاركة أميركية، خصوصاً بعد أن حققت طهران تقدماً لافتاً في المجال النووي وتوصلت إلى تنشئة أجيال من العلماء النوويين، رغم اغتيال عدد منهم وآخرهم المدير العام للبرامج النووية العالم محسن فخري زاده.

ولم تقدم طهران أي تنازلات، خصوصاً أن لدى مجلس الشورى، الحق في رفض الاتفاق برمته أو قبوله لكي لا تنفرد أي حكومة بهكذا قرار إستراتيجي يتعلق بأمن إيران القومي.

بل وضعت «خريطة طريق» لرفع العقوبات الغربية عنها تدريجياً واسترداد أموالها المحجوزة في المصارف الأجنبية والسماح للشركات الإيرانية والأجنبية بالعمل بحرية ومن دون قيود ومن دون أن تفرض عقوبات أميركية عليها.

ويطلب الغرب عودة إيران إلى أسواق الطاقة، وتصدير نحو 2.5 مليون برميل يومياً، خصوصاً أن الحرب على أوكرانيا وما أنتجته من عقوبات على روسيا، أدت إلى رفع أسعار النفط، ما أرهق الخزائن الدولية للدول المستوردة للطاقة.

ولم يعد مفاجئاً رؤية أرقام التضخم في إيران تتصاعد إلى 35 في المئة بعد 43 عاماً من العقوبات.

لكن مقارنة مع دول أوروبية فقد بلغ معدلها بين 9.8 إلى 21.3 في المئة في لاتفيا، ووصل مستوى التضخم في تركيا إلى 79.8 في المئة، بينما ارتفعت أسعار الطاقة في أوروبا من 39.7 في المئة إلى 42 في المئة.

وهذا يعني أن العقوبات الأميركية انقلبت على واضعيها بعد الحرب الأوكرانية. ولم تعد الوسيلة لدفع الدول والحكومات إلى الرضوخ لسياسة الهيمنة بعد تجربة كوبا وإيران وفنزويلا.

امتلكت إيران المعرفة النووية المتطورة جداً، بدءاً من إنتاج الوقود الخاص واليورانيوم المخضب من 5 في المئة إلى 60 في المئة.

وتوصلت إلى تطوير أجهزة طرد مركزي من الجيل السادس إلى الجيل التاسع، في ظل أقسى العقوبات وتعرض برنامجها النووي لعمليات تخريبية عسكرية وسيبرانية ورقابة دولية متشددة.

تؤكد إيران أن الاتفاق يصبح منجزاً حين يتم توقيعه، وأن أجواء التفاؤل أو التشاؤم لا تُحسب، لأن المهم ليس ما يسرب عن مختلف الإدارات الغربية، بل إن الجواب الخطي الذي يصل إلى طهران من واشنطن عن طريق الوسيط الأوروبي، هو القاطع.

وتالياً، فإن يوم وصول وزيري الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان والأميركي أنتوني بلينكن، إلى فيينا، يكون هو يوم توقيع الاتفاق وليس قبل ذلك.

إلا أن يوم اللقاء المتوقع لم يحدد بعد، بل هناك مواعيد لمباحثات إضافية لأنه لم يحن بعد «قطاف العنقود النووي» رغم بلوغه مرحلة قريبة من النضوج، بل هناك إكمال لدورة تبادل الرسائل في المفاوضات غير المباشرة عن طريق البريد الأوروبي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي