أول غيث الحوار خفض احتمالات الصدام
العراق على طريق «مخرج» يحفظ ماء وجه الجميع
ترفع الأحزاب السياسية في العراق - تحت مظلة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح - السلم للسيد مقتدى الصدر، الذي قفز إلى مكان لا يُحسد عليه.
فقد انعقد أول اجتماع للحوار ضم جميع القادة السياسيين، الأربعاء، بهدف حل الأزمة وتهدئة الأمور (من دون مشاركة «التيار الصدري») لنزع فتيل الأزمة قبل تفاقمها.
وهذا يعني أنه تم تعطيل احتمالات الصدام، وأن «خريطة طريق» ستوضع بالاتفاق مع الصدر، الذي سيعطي الضمانات اللازمة للسير في العملية السياسية، بعدما وصلت إلى طريق مقفل.
ذهب الصدر إلى الشارع، الذي يجيد لعبته وبدأ بالتظاهر وانتهى بنصب الخيم في المنطقة الخضراء، تعبيراً عن مطالب لا يستطيع تحقيقها من خلال الدستور الذي لا يتضمن نصاً عن إجراء انتخابات نيابية مبكرة ويحتاج إلى الكثير من التعديل.
وقابله خصمه الأساسي نوري المالكي، بالطلب من أنصاره التظاهر ونصب الخيم في مداخل المنطقة الخضراء وعلى بعد مسافة من الصدريين.
هذا التقابل رفع مستوى الخطر من اندلاع حرب شيعية - شيعية ولو لساعات قليلة، تكون كافية لإهدار دماء كثيرة لا يريدها الطرفان.
وهكذا تدخلت قوى عراقية وإقليمية عدة، في محاولة لتهدئة الأمور ودفعها نحو وجوب إيجاد حل سياسي مطلوب من الجميع من دون استثناء، وتالياً فإن اجتماع القوى السياسية جاء ثمرة جولة هادي العامري، وهو شخصية يحترمها الصدر وكذلك المالكي، وقد أنتج اجتماع كل القوى وعلى رأسها الكاظمي، قبولاً بمقترح زعيم «التيار الصدري» بمعاودة إجراء الانتخابات النيابية على نحو مبكر.
وبدا أن المشكلة تكمن في التوقيت: فإعادة الانتخابات تحتاج لجاناً وهيئة انتخابية وتواريخ محددة وتنظيماً. وهذا يعني أن لا انتخابات ستحصل قبل نهاية عام 2023.
وهذا يدل أيضاً على أن الدستور العراقي غير ثابت، وأن أي اتفاق بين القوى السياسية يستطيع تقديم تفسيرات وتأويلات للدستور على هواها عندما تشاء، لأن لا نص قانونياً يعطي الصلاحية للقوى السياسية بإجراء انتخابات مبكرة.
إلا أن الصدر يتمسك بانقضاء المهل الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، الذي بدوره يطلب من رئيس الحكومة تشكيل حكومته خلال شهر من التكليف، رغم أن هذه المهل تخطاها السياسيون سابقاً.
لكن الزعيم الصدري طلب من المحكمة الاتحادية إقرار إعادة الانتخابات النيابية بسبب عدم احترام المهل الدستورية، والتي طلبت مهلة لغاية 30 أغسطس الجاري، لإعطاء القرار النهائي والنظر بطلب الصدر.
وكانت المحكمة الاتحادية - المختصة بالرقابة على الدستور وتفسير القوانين والفصل باتهامات توجه لرئيس الجمهورية والتصديق على الانتخابات - أعطت تفسيرات عدة سابقاً، اعتبرت «فاصلة وقاطعة».
ففي 2017 أقرت المحكمة، عدم دستورية الاستفتاء الذي قام به مسعود بارزاني حول استقلالية كردستان.
وفي 2021 رفضت الطعن الذي قدمه العامري بنتائج الانتخابات وصادقت على النتائج.
وفي يناير 2022، أقرت شرعية الجلسة الأولى للبرلمان بعد طعن نائبين بشرعيتها وطلبوا إعادتها.
وفي فبراير 2022 ردت دعوى تقدم بها «الإطار التنسيقي» حول تحديد الكتلة الأكبر لمجموعته.
وفي الأشهر الماضية، حددت المحكمة الاتحادية، تفسير الكتلة الأكبر وكيف تستطيع التشكل حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية.
وآخر تفسير لها، كان وجوب وجود ثلثي أعضاء المجلس النيابي داخل قبة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا ما دفع الصدر للانسحاب مع كتلته الـ73 من البرلمان بعد فشله في حشد 220 نائباً لانتخاب الرئيس (حضر 202 منهم فقط).
إذاً، فإن العراق على موعد مع استحقاق قانوني في نهاية أغسطس، يتمثل في انتظار قرار المحكمة الاتحادية لينفضّ المتظاهرون من المنطقة الخضراء، داخلها وخارجها، إذا ما أراد الصدر الانتظار، ولم يتجاوب قبل ذلك مع دعوة الأحزاب السياسية، لنزع فتيل التفجير في الشارع.
بمجرد أن بدأ الحل السياسي يلوح في الأفق، (حتى ولو لم يجد طريقاً له لغاية اليوم)، فان احتمالات التصادم انخفضت، خصوصاً أن الوضع الراهن لا يقدم أي حل للأطراف المتنازعة. وهذا يعني أن العراق تجاوز مرحلة الخطر ويتحضّر لعملية الإخراج التي تحفظ ماء وجه الجميع.