بايدن في السعودية: ما هي أهدافه الحقيقية؟
قال الرئيس جو بايدن في مقالة نشرها في صحيفة «واشنطن بوست»، إن زيارته للسعودية هي «بدء فصل جديد واعد أكثر من مشاركة أميركا هناك».
في جملة واحدة، جمع بايدن أكثر من مغالطة. فالعلاقة السعودية - الأميركية قديمة جداً بدأت منذ عام 1931 وبعد تعيين أول سفير أميركي عام 1940. ومنذ ذلك الوقت، تطورت العلاقة إلى المستوى الإستراتيجي، وتعود أيضاً إلى المكانة التي تمثلها الرياض بالنسبة إلى دول الخليج العربي ولمقدراتها النفطية والمالية التي أنفقتها بسخاء في استثماراتها داخل المملكة وبالعقود التي أعطيت للشركات الأميركية التي عملت في السعودية لعقود طويلة.
وكان الأمير بندر بن سلطان قال إن بلاده وقفت مع حروب أميركا ودعمتها بناء إلى طلبها، ليؤكد أن واشنطن كانت تطلب المساعدة من السعودية في الحروب التي يعجز الرئيس عن الخوض بها عند تيقنه ان «البنتاغون» لا تقف معه بسبب السياسة الأميركية الداخلية.
أما عن نقطة «المشاركة الأميركية في الشرق الأوسط»، فإن من المستغرب استخدام هذه الكلمات والقوات الأميركية موجودة في قواعد متعددة في المنطقة، ولها جنود في العراق وتحتل الشمال الشرقي في سورية ويرابط إسطولها السادس في البحر المتوسط.
وتمتلك الاستخبارات المركزية (سي آي إي) قواعد في كل سفارات بلادها في الشرق الأوسط وكذلك في قواعد أميركية منتشرة هناك، وتالياً فإن زيارة بايدن لا تتعلّق أبداً ببدء فصل جديد ولا بمشاركة أميركية مختلفة عما هي عليه اليوم.
بل على العكس، فإن الحرب الأميركية - الروسية في أوكرانيا تمثل تحدياً كبيراً للأحادية الأميركية في العالم، خصوصاً مع مبادرة السعودية إلى تنويع مصادر السلاح وبناء البنية التحتية بتوقيع عقود استثمارية مع كل من روسيا والصين.
وما زاد الطين بلة، إعلان بايدن ان «وجود شرق أوسط أكثر أمناً يعود بالفائدة على الأميركيين من نواحٍ عدة».
أما الواقع فهو العكس تماماً: فالشرق الأوسط لم يعد آمناً منذ أن تدخلت الولايات المتحدة في أفغانستان لإزاحة «طالبان» وانسحابها بعد 20 عاماً لتعاود تسليم الحكم إلى «طالبان». وحل الجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين لتملأ الفراغ قوى أخرى، بينها «داعش».
وها هي الأوضاع الاقتصادية تضرب فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن لتزيد عدم الاستقرار في هذه الدول بتشجيع أميركي. والاتفاق النووي مع إيران ما زال معلقاً مع دلائل أن طهران تتجه نحو اللاعودة في إنتاج اليورانيوم المخضب المتطور وأجهزة الطرد المركزية المتقدمة، خصوصاً في مفاعل فوردو التي كانت الأجهزة فيه غير موجودة إلى أن انقضى 18 شهراً على حكم بايدن.
لا تلعب أميركا «دوراً حيوياً قيادياً لشرق أوسط أكثر استقراراً وتكاملاً». فقد اجتمعت إيران بمسؤولين من الأردن ومصر في العراق وكذلك حصلت جولات عدة بين إيران والسعودية في بغداد كإشارة إلى قدرة دول المنطقة على حل قضاياها بأنفسهم.
وطلبت إيران أخيراً عقد اجتماع غير مباشر مع أميركا في قطر، كإشارة أنها تثق بدول المنطقة أكثر من أميركا وأوروبا. ولم تعد الولايات المتحدة شريكاً منصفاً عند الدول خصوصاً بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين رأوا كيف نقضت اتفاقات مدريد وأوسلو وغسلت أميركا يدها من الدول الفلسطينية ليأتي بايدن في زيارته المقبلة ومعه مساعدات بقيمة 500 مليون دولار لإبقاء الفلسطينيين على قيد الحياة لتقتلهم إسرائيل لاحقاً، هي التي «يحق لها الدفاع عن نفسها» عبر مهاجمة استباقية لجميع الدول التي لا ترضى بها. وهذه هي الفلسفة التي تقدمها واشنطن لتبرر أي خرق إسرائيلي للمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان والحدود الدولية.
إذاً لم يصب بايدن أي هدف حقيقي في معرض حديثه عن أسباب زيارته السعودية إلا عندما قال ان «مواردها من الطاقة حيوية للتخفيف من تأثير الحرب في أوكرانيا». هذا هو بيت القصيد. فالرئيس الأميركي يأتي ليطلب مساعدة المملكة في انتخابات الكونغرس المقبلة (بعد بضعة أشهر) على أمل أن يضخ له المزيد من النفط وينقذه من إخطاء سياسته التي انعكست سلباً على بلاده وعلى أوروبا. وعلى العالم بأسره، والتي تسببت بانهيارات اقتصادية وتململ كبير بين الشعوب. فأسعار الطاقة في ارتفاع بعد أن فرضت الدول الغربية العقوبات على نفسها أولاً ولكن شكلياً على روسيا، معتقدة أن موسكو ستتهاوى بسرعة.
اعتقدت الولايات المتحدة أن روسيا ستغرق في الوحول الأوكرانية. فانقلبت الأمور، وها هي موسكو تأخذ وقتها لإطالة الحرب ما دامت العقوبات الغربية تأتي بثمارها وتضرب الدول التي وضعتها. وهو ما جعل ناقوس الخطر يدق في أميركا وأوروبا في محاولة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة في الوقت الذي لا تستطيع أي دولة أن تأخذ موقع روسيا بالكامل. ولكي لا يخسر بايدن أكثر من شعبيته ودعم الأميركيين للحزب الديموقراطي ويُتهم بسوء إدارته للحكم وبارتفاع الأسعار الجنوني، يأتي إلى السعودية بحثاً عن الحل.