مَن يقبل تجرّع الخسارة في أوكرانيا... الولايات المتحدة أم روسيا؟

من يتراجع أولاً؟
من يتراجع أولاً؟
تصغير
تكبير

تسقط المدن الأوكرانية في الشرق، الواحدة تلو الأخرى، لتبدد تمنيات الغرب بهزيمة روسيا بسرعة وبضرب اقتصادها وإخراجها من صف الدول العظمى، كما كشف وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، عن أهداف بلاده في الأسابيع الأولى من الحرب.

ويبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير مستعجل لإنهاء المعركة، ما دام الغرب مصمماً على منع أوكرانيا في التوقيع على معاهدة ترضي روسيا ويصر على إمداد كييف بالسلاح رغم ما يعانيه من تعطش لمصادر الطاقة وارتفاع أسعار النفط التي صارت تراوح بين 108 و120 دولاراً للبرميل الواحد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن موسكو ترى كيف تتضرر أميركا وأوروبا اقتصادياً باستنزافهما مالياً وعسكرياً بسبب دعمهما المباشر والمتواصل لكييف والذي يكلف الغرب، وسكانه، أثماناً باهظة لن يستطيع تحملها طويلاً.

وبسبب العقوبات الأوروبية على روسيا وقرار القارة العجوز بتقليص الاعتماد على الطاقة الروسية، فإن صناعات أوروبية بأكملها تتعرض لخطر الانهيار الدائم، خصوصاً تلك المرتبطة بالألمنيوم والزجاج والصناعات الكيماوية والتدفئة.

مثل هذا الانهيار سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الأوروبي بأكمله، ويؤشر إلى اضطرابات اجتماعية وعمالية مقبلة لا محالة بعد فصل الصيف. وقد خفضت روسيا الشحنات عبر خط أنابيب «نورد ستريم 1» بنسبة 60 في المئة، ومن المقرر قفل خط الأنابيب بالكامل هذا الشهر، للصيانة.

وأثارت المانيا شكوكاً في أن «نورد ستريم» سيستأنف الضخ بعد ذلك. ومن الصعب فهم مقاربة أوروبا التي تفرض عقوبات قاسية على روسيا وتمد أوكرانيا بالسلاح، وتنتظر أن يتدفق الغاز الروسي إلى دولها في انتظار إيجاد البدائل.

لكن المشكلة الكبرى تكمن في السؤال الآتي: هل ستتقبل إحدى الدول العظمى الخسارة؟ وكيف سيكون رد فعلها؟

توجه الرئيس جو بايدن إلى أوروبا للاجتماع بدول مجموعة السبع G7 الغنية وبإهداف واضحة، وهي كيفية الصمود والتعاون لإبقاء التضامن في ما بينها في مواقف موحدة ضد روسيا مهما بلغت الكلفة المؤلمة.

وقد استطاعت الولايات المتحدة، إقناع بريطانيا وكندا واليابان بالانضمام إليها بفرض عقوبات على إصدار الذهب الروسي، والذي يورد بنسبة 90 في المئة إلى بريطانيا، ويدر على موسكو أكثر من 19 مليار دولار سنوياً، ويأتي بالمرتبة الثانية بعد الطاقة.

وتتوجه أميركا نحو محاولة غير ناجحة، لإقناع العالم (ثلثي الدول) بالانضمام إلى الغرب وعدم التعامل مع روسيا أو بفرض عقوبات على الدول التي تصر على إبقاء العلاقات مع موسكو (آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية)... وهذه التدابير تدل على تصميم أميركا على عدم الخسارة أمام روسيا.

وما دامت واشنطن تستخدم العقوبات الاقتصادية الأحادية وغير الأممية، فهذا يعني نقطتين: الأولى أن أميركا مقتنعة بأن روسيا لن تهزم بالوسائل العسكرية وأن ذلك سيتطلب استخدام القوة العسكرية النووية التي لا يريد أحد اللجوء إليها لما تسببه من دمار شامل.

والثانية ان العقوبات الاقتصادية هي الوسيلة الوحيدة لإكمال الحرب الناعمة على موسكو على أمل إخضاعها أو الدفع نحو انقلاب اقتصادي داخلي يغيّر النظام. وهذا افتراض لا تستطيع أميركا البناء عليه لأسباب عدة.

أهم هذه الأسباب أن روسيا توحدت داخلياً حول خيار الحرب أو انضمام كييف إلى حلف «الناتو» الذي يشكل خطراً على الأمن القومي الروسي. بالإضافة إلى ذلك، فان التدابير الاقتصادية المضادة التي اتخذها بوتين أعطت قوة للعملة المحلية (الروبل) وانتعش الاقتصاد من جراء ارتفاع أسعار الطاقة التي يحتاجها الغرب بشدة.

وأوجدت روسيا أيضاً أسواقاً آسيوية أخرى مثل (الصين والهند وباكستان ودول أخرى لبيع نفطها)، لا تلتزم بالعقوبات الأميركية، وتالياً فان القرارات الغربية تسبّبت بأذى كبير للدول التي فرضت العقوبات وعلى رأسها القارة الأوروبية حيث بدأت التظاهرات في الشوارع ضد الغلاء والتضخم.

ولو كانت العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا أضرّت بها، لما كان يفرض الحزمة تلو الأخرى من العقوبات من دون التأثير على مجرى الحرب التي تتقدم فيها موسكو، وتسيطر على كامل مقاطعة لوغانسك وآخرها كانت مدينة ليشيتشانسك.

ومن الواضح أن الحرب مستمرة من دون أي سقف زمني ما دامت تستنزف الغرب وتدمر الجيش الأوكراني وتزيد الإيرادات الروسية من بيع الطاقة بأسعار مرتفعة بسبب ارتفاع الطلب وخوف الأسواق من الآتي الأعظم.

ولن تقبل موسكو الخسارة مهما حصل، لأن مكانتها الدولية على المحك، وهي لم تعد ضعيفة كما كانت عام 1991 عندما أعلنت «البريسترويكا» وتخلت عن دعم الدول التي تسيطر عليها.

بل غيرت مفهومها وعقيدتها وقدمت الإغراءات لأوروبا للاعتماد عليها في الطاقة وجمعت ثروتها لليوم الذي ستجابه به الغرب كما حصل في معركة أوكرانيا وتحسباً للمستقبل الأسود.

وقد لجأت أميركا إلى خطوة أخرى خطرة. فقد دفعت ليتوانيا لفرض حظر على الصادرات الروسية المحظورة أوروبياً المصدرة إلى كالينينغراد، المقاطعة الروسية التي تضم أسطول بحر البلطيق الروسي، وهي محاصرة بين البحر وبولندا وليتوانيا.

ويأتي هذا القرار مخالفاً للائحة العقوبات الأوروبية التي نشرتها المجموعة الأوروبية والتي تستثني جيب كالينينغراد وجميع البضائع الترانزيت التي تضمنتها معاهدة موقعة عام 2003 بين روسيا وليتوانيا، الدولة العضو في المجموعة الأوروبية وحلف شمال الأطلسي.

وهذا يعني عدم احترام معاهدة دولية قائمة ما يشجع أي دولة في العالم على اتباع التدابير نفسها وخرق المعاهدات الدولية ما دامت أوروبا فعلت ذلك... وأوجدت سابقة.

إلا أن روسيا تعودت الرد بعد أن تأخذ وقتها الكافي لتضرب الدولة المستهدفة (ليتوانيا) بإجراءات يبدو أنها ستبدأ عبر عقوبات تمنع عنها الطاقة وتحجم صادرات تؤثر في الاقتصاد الليتواني الذي يستورد ما قيمته 9 مليارات دولار سنوياً من روسيا.

هل ستتقبل أميركا والغرب الخسارة أمام روسيا، التي تتقدم في أوكرانيا عسكرياً، والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية؟

لقد ذهبت الأمور إلى نقطة خطرة، بعد الإعلان عن وجود قوات أميركية وبريطانية وفرنسية وكندية وليتوانية في أوكرانيا، تدعم جيشها وتقاتل روسيا.

فهذا الأمر هو بمثابة دعوة لموسكو لاتخاذ خطوات تصعيدية أقله ضد ليتوانيا، لربما عسكرية، تتمناها أميركا ليصبح «الناتو»، جزءاً من الحرب المباشرة على روسيا، وليس من خلف الكواليس أو من خلال بعض التسريبات الإعلامية.

وهذا يدل على خطورة الوضع في أوروبا حيث تشن أميركا حرباً على روسيا، أرادها بايدن، على أمل إبقاء بلاده على عرش العالم، وفي اعتقاده أن الربح السريع في انتظاره.

إلا أن الانزلاق نحو الهاوية ليس صعباً، خصوصاً أن الدولتين العظمتين تسيران على حافتها. فروسيا لن تقبل الخسارة وهذا أيضاً ينطبق على أميركا.

وتبدو الحلول صعبة ما دامت لغة الحرب العسكرية والاقتصادية هي السائدة بين دولتين تمتلكان أكثر من 11 ألف قنبلة نووية تستطيع القضاء على العالم بأسره.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي