750 قاعدة أميركية في 80 دولة... تفرض هيمنتها على العالم
تنتشر القواعد العسكرية الأميركية حول العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي قطفت الولايات المتحدة ثمارها وقدمت نفسها على أنها أنقذت أوروبا من الحكم النازي.
وقد بلغت خسارة أميركا في تلك الحرب نحو 416800 ضحية. ويشمل ذلك القتلى أثناء القتال، والمتوفين متأثرين بجروحهم، أو الذين عُثر عليهم قتلى، والمفقودين، والمتوفين في معسكرات الاعتقال، بينما خسرت روسيا 24 مليون قتيل.
وكان للانتصار الأميركي ثمن باهظ، إذ دفعت أوروبا مئات المليارات من الدولارات نقداً كتعويض للولايات المتحدة، ولم تنته من دفع الفاتورة إلا منذ بضعة أعوام، أي على مدى 75 عاماً.
ولكن القارة العجوز تدفع ثمناً آخر وهو «الاستعمار الناعم» المُستحدث الذي تفرضه السياسة الأميركية والقواعد العسكرية المنتشرة في أوروبا ودول عدة حول العالم.
فقدت أوروبا حرية قراراتها، وهذا ما تجلى بوضوح في عدم قدرة دولها على اتخاذ قرارات تتناسب مع مصالحها. بل إن كل العقوبات التي تُعلنها ضد روسيا ترتد عليها وتضر بالاقتصاد الأوروبي في شكل واضح، كما حصل مع الاتفاق النووي حين خرجت الشركات الأوروبية من إيران ودفعت ثمن خرقها للعقود بسبب العقوبات الأميركية الأحادية، والتي أضرّت بالمصالح الأوروبية.
وقد أعلنت فرنسا انها ستُعيد تشغيل معامل الطاقة التي تعمل على الفحم الحجري لتعود عقوداً إلى الوراء خشية إيقاف روسيا إمداداتها من الغاز بعد إعلان أوروبا الحرب الناعمة والاقتصادية على موسكو.
وتستخدم أميركا تفوقها العسكري وانتشار قواعدها في أنحاء العالم - والتي أعطتها الهيمنة لعقود – كسلطة ظاهرة تفرض فيها إرادتها على الدول، بمَنْ فيها أوروبا.
وتقوم الولايات المتحدة بتدريبات ومناورات متعددة المهام على مدار السنة في غرب المحيط الهادئ وفوق بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وفي الشرق الأوسط وأوروبا ليبقى جيشها على أهبة الاستعداد للحروب أو التدخل عسكرياً في أيّ مكان في العالم.
وتظهر أميركا قدراتها الهائلة، في إشارة إلى انها هي التي تحكم وتسيطر وهي التي تلتزم بالحفاظ على مناطق نفوذها وتمنع أيّ قوة عظمى (روسيا) أو أخرى صاعدة (الصين) من السيطرة على مسائل الأمن القومي. وبوجود قواعدها المنتشرة حول العالم، ترسل أميركا تطمينات إلى حلفائها أنها قريبة منهم.
وتسلح أميركا قواعدها في شكل رئيسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لتخويف الصين. وكذلك بدأت بضخ المزيد من القوات وتكديس القنابل النووية في القارة الأوروبية (بين 150 إلى 200 في أوروبا وحدها) في مجابهة روسيا. ويدير الجيش الأميركي أكثر من 750 قاعدة خارجية منتشرة في 80 دولة حول العالم.
وتقسم هذه القواعد إلى فئتين: «القاعدة»، وهي منشأة يزيد حجمها على 10 أفدنة وفي داخلها مئات أو آلاف الجنود وهي تُشكّل 60 في المئة من القواعد الأميركية.
بينما الفئة الأخرى (40 في المئة) يطلق عليه اسم «LILY PADS» أو «منصات الزئبق» لحجمها الأصغر. وتضم مراكز للاستخبارات الـCIA، التي تمتلك منشآت سرية أخرى في عشرات الدول، في شكل غير المعلن، في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
ففي اليابان، المجاورة للصين، يعمل أكثر من 35000 جندي أميركي، أكثرهم في جزيرة أوكيناوا ويتوزعون على 120 قاعدة عسكرية.
وفي كوريا الجنوبية، جارة الصين، تمتلك الولايات المتحدة 73 قاعدة يعمل فيها 26400 جندي. كما تقيم نحو 46 قاعدة في القارة الأفريقية.
وفي ألمانيا وحدها هناك 119 قاعدة أميركية و35000 جندي و15000 موظف مدني... ويوجد 12500 جندي في إيطاليا و9600 في بريطانيا و3200 في إسبانيا و 2000 في بولندا و1100 في بلجيكا.
وتملك أميركا ثلاثة أضعاف عدد القواعد التي تمتلكها السفارات والقنصليات حول العالم، بينما تقيم روسيا نحو 35 قاعدة والصين خمس قواعد.
لقد تسبّبت سياسة الولايات المتحدة بظهور «القاعدة» و«حزب الله» وتنظيمات مختلفة تريد محاربة النفوذ الأميركي وهيمنتها وإخراجها من الشرق الأوسط ولجم حلفائها (مثل إسرائيل) التي تغض واشنطن النظر عن جميع ما ترتكبه من قتل وعمليات تصفية واغتيالات وحروب.
وقد شارك الجيش الأميركي 25 مرة في حروب وأعمال قتالية ضد 15 دولة حول العالم انطلاقاً من قواعده حول العالم، وكذلك فعلت إسرائيل مستخدمة القواعد الأميركية في سورية والعراق على الأقل.
وأنشأت أميركا قوة عسكرية تحت مسمى حلف شمال الأطلسي، (الناتو)، في بداية الحرب الباردة وضم 12 دولة غربية. ورفعت العدد بعد انتهاء الخصومة والمنافسة مع موسكو إلى 30 دولة وتريد زيادة العدد، لتضم فنلندا والسويد، لمحاصرة روسيا واستخدام قوات غربية تقودها أميركا عديدها 300.000 جندي، كما صرّح الأمين العام لـ«الناتو» يانس ستولتنبورغ.
وتخضع هذه القوات للقيادة الأميركية الوسطى وتضم قوات غربية أخرى تخدم المصالح الأميركية وتستخدمها في حروبها، ليس فقط داخل أوروبا، بل في دول أخرى مثل العراق وسورية وأفغانستان وأفريقيا والصومال. وهنالك كلام كثير عن «الناتو العربي» و«الناتو الآسيوي»، إلا ان هذا الكلام، ولو بقي حبراً على ورقة، فهو يدل على تصميم أميركا التوسع حول العالم رغم التحديات التي بدأت تشعر بأنها تدق أبوابها.
بدأت روسيا بفتح الطريق أمام جميع مَنْ يريد تحدي الهيمنة الأميركية العالمية.
وتبعتها الصين التي لا تريد فتح جبهة مع الغرب ولكنها أظهرت أنها لن تخضع لأحد وهي على لائحة المحاصرة الأميركية بعد روسيا.
وقد برز جلياً كيف ظهرت دول في قارات عدة، لا تتفق مع الهيمنة الأميركية، وتقول «لا».
إلا أن مشوار التخلص من هذه الأحادية مازال طويلاً ما دامت القواعد العسكرية موجودة وما دامت الولايات المتحدة تصرّ على زعامتها المطلقة بعد أن أكدت سيطرتها على أوروبا.
إلا أن نهاية الحرب في أوكرانيا لربما ستحمل مفاجآت لا تتوقعها أميركا ولا العالم.
كل ذلك يعتمد على نتائج هذه الحرب الطويلة الأمد وما إذا تم استيعابها داخل حدود أوكرانيا فقط أم خرجت عن السيطرة.
هذا رهن بالأشهر المقبلة.
إلا ان أمراً أصبح واقعاً لا مفر منه: هو ان الأحادية المطلقة لم تعد المسيطرة على العالم رغم وجود مئات قواعدها العسكرية ولن يعود الزمن إلى الوراء.