No Script

سافر إلى ذاتك

عن العُمر

تصغير
تكبير

العُمر بالقياس النفسي له تعريفات مختلفة بعمقها، وتختلف في وصفها عن كل أوصاف العمر المعتادين عليها فهو لا يعني عدداً بل يعني وعياً ولا يقاس بالأيام بل باللحظات، ولا يثقل بالتقدم بل بالخبرات، هو عملية تراكمية حماسية وقودها الدافعية ومراحلها الخطوات الواضحة المرحلية، فكل مرحلة من حياتنا هي عُمر لا فائدة فيه من البكاء على ما فات ولا من الخوف من ماذا سيفوت بل هو لحظة، دقيقة وثانية وساعة وزمن سينتهي كما ينتهي كل شيء.

لذلك، كم عمرك؟ لا يرد عليه برقم من ناحية نفسية، بل يرد عليه عمري عدد من الرفاق أقضي معهم لحظاتي ورحلات قضيتها في تجربة الغوص والقراءة والكتابة والتعرف على الأفكار، وزيارة المدن المحببة لقلبي واكتشاف تاريخ مدن أخرى.

العُمر حديث شيق مع صاحب خبرة عميقة، أو ضحكات لا تنسى مع شخص لا تكتمل جمال المجالس إلّا بوجوده، هو كل ما تخطيته بجسارة وما بنيته من حُطام، وما عشته من محطات هو مرحلة الطفولة الجميلة والمراهقة الاستكشافية والشباب المتزن والشيب المثمر، هو لا وقوف ولا كمون ولا توقف، هو استمرار متواصل لتحقيق إنجاز بكل نافذة فيه فلا تصدق أن بعد التعاقد هو العد التنازلي كما يروى لك، بل هو العد التصاعدي لحرية الطفولة الفائتة بخبرات متراكمة مع وعي كامل وعقل ثري تستطيع به أن تخوض تجربة الحرية وأنت متكامل النضج، متكامل المعرفة مستعد للتعلم أكثر والعطاء أكثر والعيش أكثر وأكثر.

قابلت في مكتبي الخاص امرأة في العقد السادس من حياتها تبكي فراغ عمرها وفراغ أيامه، تناشدني بالمساعدة والاحتواء لم أجبها بإجابة، بل سألتها سؤالاً ليس المشكلة بماذا كان قبل وانتهى... بل السؤال الصحيح والمشكلة الفعلية، هي ماذا بعد لأقدم في حياتي بعد التعاقد، ما هي الرحلة الترفيهية الاستكشافية الفضولية التي عليك أن تخوضيها بمتعة وتسلية ودافعية وتقدم، ماذا بعد تعني أن تضعي رحلة وبصمة لك، رحلة تخصك لوحدك، فجميع الأدوار السابقة لا تعاد بل تنتهي بأدوار جديدة في الحياة، الأمومة لا تعدينها بتربية أحفادك بل سافري كجدة استكشافية، والزواج لا تنهيه لمجرد أن كبر أبناؤك، بل تحرّري من قيود الأمومة والأبوة، وعيشي قصة احتواء وشراكة مع شريكك، والصداقات أعيدي صياغة جودتها ونوعها وحماسك بها، روتينك أعيدي بناءه بما تودين ممارسته وأنت حرة.

العمر تقدم لا وقوف يا عزيزتي فواصل بلا نقاط تحدٍ، لا توقف متجددا، لا ثبوت فيه العمر كل شيء يستحق العيش كل جمال تتمعني به، كل تفاصيل تعيشين بها، فلا تصدقي كذبة وقيود العمر المتداولة، بل عيشي ما تودين بعمرك، ادرسي وإن كنتِ بالسبعين، وتزوجي وإن كنتِ بالثمانين، وسافري ومارسي الرياضة وإن كنتِ بأي رقم عددي، فنحن لا نشيب بشكلٍ متساوٍ، ولا نشيب بطريقة واحدة، نحن نقرر كيف نقضي أعمارنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي