ماذا تُحقّق إسرائيل بضرباتها ضد إيران وحلفائها؟
لم يكن اغتيال العقيد الإيراني في الحرس الثوري صياد خدائي، تطوراً جديداً أو انتهاكاً استثنائياً لقواعد الاشتباك الإيرانية - الإسرائيلية القائمة.
فهو عمل طبيعي ومتوقع بسبب الصراع الراسخ بين الجانبين منذ انتصار الثورة الإسلامية في العام 1979 وإلى الصراع المفتوح مع إسرائيل من فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن.
لذلك، من غير المستغرب أن يستمر تبادل الضربات إلى أجل غير مسمى.
لم يكن للعقيد خدائي أي مسؤوليات في سورية، لكنه كان جزءاً من فريق كبير من الضباط يدعمون الفلسطينيين لاستعادة أراضيهم المحتلة.
ولا تتسامح إسرائيل مع الإيرانيين أو اللبنانيين الذين ينقلون خبراتهم في الحرب والتكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الجديدة لفرض الردع عليها.
لذلك، فإن القيادة الإسرائيلية تشعر بالتهديد عندما يستطيع خصومها الآن الرد عليها وإلحاق الأذى بها بأسلحة جديدة تصل إلى الفلسطينيين على وجه الخصوص.
ولم يعد أعداء إسرائيل يقاتلون ببندقية Simonov PTRS-41 - شبه الآلية التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، في مواجهة مقاتلة «اف - 16» المتقدمة.
وبدلاً من ذلك، زودت إيران حلفاءها بطائرات مسيرة مسلحة تقوم بمسح المجال الجوي في الداخل، من دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي من إسقاطها في بعض الأحيان.
وترسل طهران العشرات من أنظمة BAVAR-373 المضادة للطائرات إلى سورية ولبنان تحضيراً للمعركة المقبلة.
علاوة على ذلك، أنشأت مصانع لتصنيع صواريخ دقيقة في لبنان وسورية والعراق واليمن وطائرات انتحارية مسلحة من دون طيار.
ولم تعد طهران تحتاج إلى نقل كل المعدات العسكرية إلى حلفائها في «محور المقاومة» وتكتفي بالأنظمة المتطورة، ولاسيما التي تنطوي على تحديث الصواريخ الموجودة بهدف زيادة دقتها.
هذه أسباب كافية لإسرائيل لإدراكها أن أي مواجهة مع أعدائها ستكون مؤلمة.
ولذلك فإن مناوراتها التي استمرت أربعة أسابيع، (عربات النار) تكشف عن أهداف جديدة ومهمة.
إذ تحاكي هذه المناورات تعرض إسرائيل لهجمات من جبهات عدة في وقت واحد، من قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسورية والعراق واليمن.
وتُدرب إسرائيل جنودها لمواجهة هجمات صاروخية من العديد من الأعداء الذين يحاولون فرض الهزيمة عليها والتوغل من جنوب لبنان، وضد موانئ أو سفن، بمئات الصواريخ التي يتم إطلاقها في وقت واحد من جبهات مختلفة.
الهدف الرئيسي للمناورات الإسرائيلية، هو التنسيق وتجنب الذعر أو تضارب الأوامر، وإعطاء الأولوية للإجراءات الدفاعية.
كما يمارس سلاح الجو قصفاً رادعاً لوقف تجاوز القوات المهاجمة الحدود مع لبنان، وتالياً فإن هذه المناورات تكشف عن خوف إسرائيل من المستقبل ومن الأعداء المحيطين بها.
فهي لم تجر محاكاة لتقدم قواتها لاحتلال المزيد من الأراضي التابعة لدول مجاورة أخرى، بل هدفها الأساسي كان دفاعياً بعدما أرست إيران وحلفاؤها «معادلة الردع».
ورغم ذلك، فإن إسرائيل لن تتردد في خوض أي حرب أو عملية اغتيال - (كما حدث مع العقيد خدائي) وغيرها من العمليات التخريبية التي تقوم بها داخل إيران - إذا وافقت الولايات المتحدة التي ستعوض الخسائر الإسرائيلية أو ستشارك في الحرب.
لذلك، فإن قرار خوض الحرب هو سياسي أولاً وقبل أي شيء.
ويجب إدراك بأن إسرائيل هي «مجتمع حرب» يسرق الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات ومعسكرات (وليس المدن)، لأن إسرائيل مكونة من قاعدة عسكرية كبيرة يتجول سكانها بأسلحتهم لأنهم «يعيشون بحد السيف».
في التنظيم المدني، يلحظ تصريح البناء وجود ملجأ وسهولة الوصول إليه من المباني المجاورة، وعدد الأشخاص الذين يمكن أن يستوعبهم.
لقد أوجدت إسرائيل مجتمعاً يعيش تحت تهديد دائم: من السكين في جنين، إلى صواريخ «حزب الله» الدقيقة، وليس انتهاء بالبرنامج النووي الإيراني.
كما أن الهجمات الإيرانية على السفن المملوكة من إسرائيل في مضيق هرمز وقصف قاعدة جهاز «الموساد» في كردستان العراق وإمداد أعداء إسرائيل بأسلحة وتكنولوجيا متطورة، دليل آخر على البيئة غير الآمنة التي جلبتها إسرائيل على نفسها.
من ناحية أخرى، فإن إسرائيل تضايق إيران وحلفاءها.
فقد دمرت مئات الأهداف السورية والإيرانية في سورية، وآخرها المدرج الشمالي (والجنوبي) العام الماضي لمطار دمشق. ووقع القصف بعد ساعات فقط من هبوط وإقلاع طائرة شحن عسكرية إيرانية بعد أن أفرغت أسلحتها المتطورة المضادة للطائرات في مطار دمشق.
وليست هذه المرة الأولى التي تقصف فيها إسرائيل مستودعات عسكرية، ولن تكون الأخيرة التي تستبدل فيها إيران ما يدمره الإسرائيليون من الأسلحة التي تصنع فيها، وتالياً فإن خط الإمداد متواصل.
وقد اعترفت إسرائيل بالفعل بأنها تقصف شحنة واحدة من أصل خمس.
اما في الداخل الإيراني، فقد جندت إسرائيل «مجاهدين خلق» والعديد من الأكراد. وهؤلاء مدربون على أفضل تقنيات التخريب لتنفيذ هجمات بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي إي آي) و«الموساد»، وهم مسؤولون عن اغتيال علماء وضباط إيرانيين في الحرس الثوري، الذي يدعم ضرب إسرائيل.
إذاً، فإن الأعمال التخريبية الإسرائيلية في سورية والعراق ولبنان، لها وظيفة تكتيكية بحتة، قد أثبتت فشلها في ردع أو إضعاف إيران أو تغيير مسار عملها أو سلوك وتعاظم قوة حلفائها.
وبدلاً من ذلك، بنى «محور المقاومة» تماسكاً على كل الجبهات وتطورا نوعيا رادعا.
لقد أصبح التهديد الذي تتعرض له إسرائيل كبيراً، ولم يؤد اغتيال علماء أو محاولات تخريب المفاعل النووية، إلا إلى زيادة قدراتها وتطوير تقنيتها النووية.
وقد فشل اغتيال اللواء قاسم سليماني أو العقيد صياد خدائي، في منع وصول الصواريخ الدقيقة والأسلحة المتطورة.
بل دفعت التهديدات المستمرة التي تشكلها الضربات الإسرائيلية على أهداف فوق الأرض في غزة ولبنان وسورية وإيران، إلى بناء مدن تحت الأرض، توقعاً للحرب المقبلة.