No Script

سافر إلى ذاتك

لماذا نصرخ؟

تصغير
تكبير

كثير من المجالس تخرج منها وأذناك محشوة بالصراخ، على قيم ومبادئ، يعتقد أصحابها أنها الأهم والأكثر صحة وكثير من الحوارات لا تسمعها، لأن الحوارات مليئة بالصراخ، وكثير من الخلافات لا تحل لأن الصراخ سيد الموقف بها.

لماذا نصرخ طلباً للنجده أحياناً؟، عن البعد المخيف بيننا وبين من يحاورنا نفسياً، أي بتعبير أبسط نحن نصرخ بوجه من نشعر أن المسافة القلبية بيننا ابتعدت بحد أنه لا بد من طلب النجده فالشعور مخيف، ونصرخ أيضاً عندما نكتشف أن هناك من يخالف معتقداتنا التي نعتقد أنها الأهم والأفضل والأكثر جودة، ونفعل ذلك لأن الطرف الآخر شكل لنا تهديداً جديداً عن طريق عرض فكرة مخالفة لما نظن أنه صحيحاً، ونصرخ أيضاً عندما لا يسمعنا القريب ويتجاهل آلامنا البعيد فنصرخ تعبيراً عن الألم، وأيضاً عندما نشعر بالإرهاق والتعب الشديد وعدم تقدير الذات والتقدير من الآخرين نصرخ بلا مبرر ولا موقف يستحق الصراخ. نصرخ لأننا نبحث عن وجودنا أو نريد من يبحث عنا. نصرخ لأننا لا نشعر بالأمان ونريد من يشعرنا بالاحتواء، نصرخ خوفاً، ألماً، نداءً، ضياعاً...

الصراخ بكل أشكاله هو مسافة بعيدة بيننا وبين من نصرخ عليه أو من نصرخ معه، فقد يكون الصراخ متبادلاً في حوار ونوعياً في حوار وأحادي الوجهة في حوار. مع كل أنواعه هو صراخ وبعيد عن الصراخ المرضي. ما نود طرحه هنا الصراخ العادي الذي هو وسيلة للتعبير عن الضغط النفسي أو الفكري أو الانفعالي، الصراخ لا يحل الأمور أبداً، إنما يعقدها أكثر، لا يشعر الآخرون أو المتلقون بقوة شخصيتك بل يزرع داخلهم الخوف أكثر، ولا يجعلك محبباً بقلب أحد بل شخص يسايره الآخرون حتى يتجنبوا لسانه السليط ...

إذاً، ماذا أفعل لأتجنب الصراخ؟

إن كنت تصرخ كثيراً، اعرف أنك لا تفهم نفسك أكثر، وإنك تحتاج أن تمارس التقبل مع الآخرين أكثر، من اليوم مارس القبول اللامشروط لأي فكرة، اسمع ولا تصدر أحكاماً مهما بدا الأمر سخيفاً بالنسبة لك. استخدم نبرة صوت واضحة وتدرب عليها بعيدة عن الصراخ إن شعرت بغضب غادر المكان، أو اغلق الحوار لحين أن تهدأ. وإن اضطررت أخبرهم أنا غاضب الآن، نتحاور في وقت لاحق، فرغ غضبك بوسائل التفريغ التي تراها مناسبة كأن تلعب بملاهٍ تصرخ فيها أو ملاكمة وهكذا.

وأخيراً، الصراخ ليس حلاً بل بداية لمشكلة، وليس قوة إنما هو أساس الضعف، وليس أسلوباً للتفاهم بل بوابة للخلاف.

تذكر كلما اقتربت القلوب هدأ الحوار، وهدأت الأصوات، وكلما ابتعدت القلوب علت الأصوات وتحوّلت الكلمات إلى لكمات.

لا تصرخ!

Instagram & Twitter @drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي