No Script

على الهواء

العقاد وحرية الفكر الديني

تصغير
تكبير

لقد أكرم الإسلام الإنسان وجعله حراً مستقلاً برأيه وحثه على التزود بالعِلم، وأكرم العلماء واعتبرهم في مصاف المتعبدين الواعين المدركين لأمور الدنيا والآخرة.

والإسلام حرّر الإنسان من العبودية الجسدية والعبودية الفكرية فلا يرغم أحد غيره لاتباع فكره، ويكون الآخر حراً يقيس الأمور بعقله وفق ما أحيط به من علم وتربية دينية وعلمية.

رواد النهضة الأدبية قدّموا فكراً دينياً، ونقحوا الموروثات وأزالوا عنها الشوائب والإسرائيليات والمعتقدات القديمة التي لا توافق رفعة الدين الإسلامي وخاطب الأدباء الرواد العقول النيرة.

بدأوا بسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم سيرة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - وأعمدة الدعوة ورموزها الذين حملوا راية الإسلام... عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد كتب في إسلامياته (العبقريات) وخدم المكتبة العربية خير خدمة... خاطب العقل الإنساني وأرشد الشباب إلى طريق المعرفة الصحيحة نحو دعائم الثقافة الدينية في فترة تضاربت الأفكار فيها ونزل الساحة الثقافية أصحاب الأفكار الوافدة من الشيوعية والفكر المتصارع.

وللعقاد كتاب قيم هو: (التفكير فريضة إسلامية) وجعل الفكر السليم فريضة لابد من اتباعها وبين حرص الإسلام على التعليم حسبما حثت آيات قرآنية كثيرة على ذلك. والقرآن الكريم طلب من الإنسان المسلم أن يتأمل في الكون وفي أسراره وظواهره الدقيقة وتفاعل الكون مع الحياة الأرضية والسماوية وخاطب العقاد المفكرين ليتأملوا في الأطروحات القرآنية، والقرآن فتح أبواب التفكير السليم وحرية الرأي والنقاش والحوار المؤدي إلى تفهم العقيدة بالإقناع والحجج ابتعاداً عن الجدل العقيم الذي لا ينفع المتلاعب بالألفاظ.

والقرآن الكريم كرّم الإنسان بعقله وبما امتاز به على سائر المخلوقات الأخرى ولا يذكر القرآن الكريم العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، فالعقل بمدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي وبالفعل يبني الإنسان حضارته ويعمّر الكون... وما تخلف المسلمون إلّا بعد انصرافهم عن العلوم وإحاطة الجهل بهم وابتعاد صروف الخير عن مناصرة العلم والمتعلمين.

وكانت في كل عصر مسائل العقيدة والإيمان موضع اهتمام أهل العلم وعندما تطورت العلوم الوضعية والسياسية ارتفعت أصوات تطالب بنبذ الدين وظهرت بعض المذاهب الفلسفية والاجتماعية تطالب بفصل الدين عن التعليم... وشاع بعد الحرب العالمية الثانية تيار الإلحاد وتغلغل في الفكر السياسي في بعض البلاد العربية واتخذت دول عربية في تجاربها الثورية والانقلابية نظماً شيوعية، وأساليب الاشتراكية المقيدة لحرية الإنسان وذلك نكاية بالاستعمار الغربي الذي هيمن على كثير من البلاد العربية.

وأمام هذه الحيرة وهذا الضياع وقف العقاد ليخاطب الشباب ويدعوهم إلى التخاطب العقلي والتأمل في ما طرحه القرآن الكريم، وطرح العقاد أسئلة للشباب إن كان الدين ضرورة وما موقف الدين من حرية الفكر.

وبعد ذلك نتساءل لماذا هجر الأدباء البحث في الفكر الديني بعد أن انشغل به العديد من الأدباء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كالعقاد وطه حسين ومحمد فريد ومحمد حسين هيكل والمازني وأحمد أمين وسيد قطب وأحمد الزيات وغيرهم، لماذا لا يخوض الأدباء الآن في أمور الفكر الديني؟

من كتابي: (مواقف في الحياة. الجزء الأول 37 / 38)

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي