فشل ماكرون بتحييد أوروبا... فهل ينجح في البقاء رئيساً؟

ماكرون وزوجته بريجيت يقترعان في شمال فرنسا أمس (أ ف ب)
ماكرون وزوجته بريجيت يقترعان في شمال فرنسا أمس (أ ف ب)
تصغير
تكبير

كان الفرنسيون، أمس، على موعد مع الاختيار بين تيارين، اليمين واليسار، ليتحدد الرئيس القادم للجمهورية، من بين 12 مرشحاً يبقى منهم اثنان فقط في حال عدم حصول أي مرشح على 50 في المئة من الأصوات الإجمالية في الدورة الأولى، كما هو متوقع.

وكما حصل في الانتخابات الماضية عام 2017، فمن الطبيعي أن تشكل نسبة الامتناع عن التصويت ارتفاعاً كبيراً (28.4 في المئة عام 2002) خصوصاً أن الناخب الفرنسي ينظر إلى الأهمية التي يوليها المرشح الرئاسي للجانب الاقتصادي، آخذاً في الاعتبار «سنوات الكوفيد» التي أغضبت الكثير من الفرنسيين، وكذلك السياسة الخارجية، على المستويين الأوروبي والدولي، والتي ارتطمت بمواقف جريئة ومستفزة لأوروبا والعالم في مواقع متعددة.

وكما في انتخابات 2017، من المتوقع أن يبقى الرئيس إيمانويل ماكرون ومنافسته ماري لوبان إلى دورة الـ24 من ابريل، لحسم موقع رئيس الجمهورية المقبل، خصوصاً ان مرشح اليسار جون لوك ميلانشون فشل بإحداث خرق حقيقي هذه المرة.

صوت الفرنسيون يوم السبت (بسبب فارق الوقت) في المستعمرات الفرنسية البعيدة مثل سانت بيير، ميكلون، سانت بارتيليمي، غوادلوب، سانت مارتان وغويانا، لاختيار المرشح الأكثر حظاً بين المرشحين الذين قدموا البرامج السياسية للسنوات الخمس المقبلة.

إلا أن الثقل الانتخابي الحقيقي يكمن في مدن فرنسا الكبرى مثل: باريس، نانت، غرونوبل، مارسيليا، ليون، بوردو وستراسبورغ، والتي تمثل ثقلاً لحزب «الجمهورية إلى الأمام» بزعامة ماكرون.

وتمثل الجاليات الإسلامية - الجزائرية والمغربية والتونسية - ثقلاً لا يُستهان به (أكثر من 10 ملايين) وتتوزع أصواتها بين ماكرون وميلانشون، بعيداً عن مرشحي اليمين ايريك زمور وماري لوبان.

وتأتي الانتخابات في خضم الحرب الدائرة بين الغرب وروسيا على الأراضي الأوكرانية والموقف الفرنسي المتميز عن الدول الغربية الأخرى.

وقد خرج ماكرون بمواقف متعددة لا تصب جميعها في مصلحة الولايات المتحدة. فهو الذي أعلن أن «حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد أصيب بالموت الدماغي السريري»، وان «أوروبا بحاجة إلى جيش قوي ليحمي نفسه حتى من الولايات المتحدة».

وطالب الرئيس الفرنسي بالانفتاح على روسيا، وعقد لقاءات واتصالات طويلة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وشجع على إبقاء خط التواصل معه كشريك اقتصادي على حدود أوروبا، وهذا ما أغضب دولاً عدة على رأسها الولايات المتحدة، بسبب تمسكه بنهج تعددي - ليبرالي يقوم على التحدث مع الجميع من دون حواجز وإقصاءات.

وكان ماكرون قام بزيارة السعودية (عام 2021). وزار لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت واجتمع مع جميع الأطراف السياسية بما فيها «حزب الله»، الموضوع على لائحة الإرهاب في دول غربية وعربية، من دون أن تنتج اللقاءات أي شيء يستحق التنويه.

وقصد مصر والعراق، ووقف بشدة ضد تلكؤ بريطانيا أثناء خروجها من الاتحاد الأوروبي.

إلا انه اصطدم بإخفاق في مالي وبالحائط الجزائري وتخلى عن العقد الأسترالي لتوريد الغواصات الفرنسية الذي انتزعته من فمه أميركا. كذلك لم ينجح في بناء علاقة ودية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفشل الرئيس الفرنسي في توحيد أوروبا، كقوة عظمى عسكرية واقتصادية خصوصاً بعد الانقسام الحاد بين أوروبا الشرقية والغربية على خلفية حرب أوكرانيا والتصاق سياسة أوروبا الشرقية بأميركا أكثر من دول الاتحاد الأوروبي.

داخلياً، تعرض لانتقاد شديد من قبل «السترات الصفراء» بسبب الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار، وكذلك بسبب السياسة المتشددة التي اتخذها أثناء «كوفيد - 19» وفرضه التلقيح على الفرنسيين.

لقد فشلت فرنسا، بقيادة الاتحاد الأوروبي فعلياً، وانتصرت أميركا عليها وكسرت مشاريع ماكرون باستقلال القارة لتقوية شراكتها مع روسيا والصين، وهما الدولتان اللتان قررت واشنطن محاربتهما اقتصادياً وفصلهما عن أوروبا.

وأتت الحرب الأوكرانية كضربة قاضية لمحاولة باريس، التي اضطرت لإرسال السلاح إلى أوكرانيا والانضمام إلى الحرب الاقتصادية الأميركية على روسيا.

وهذا يعني ان اهتمام الرئيس القادم لن يكون بالضرورة استعادة القيادة، في أوروبا، بل ترميم ما يمكنه لإعادة الاقتصاد الذي تضرر في شكل كبير - خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء في العالم.

تحديات كبرى تواجه الرئيس الجديد، أو المُجدد له، للسنوات الخمس المقبلة التي ستفرض توجهاً داخلياً نحو تحسين الوضع المعيشي والاقتصادي. ويولي الناخب الفرنسي أهمية أولى للنظام الصحي والتقاعدي وتحسين القدرة الشرائية وقضية الحد من المهاجرين وتحسين البيئة، كلها ملفات ساخنة لأي رئيس قادم.

وستقرر الجولة الثانية إذا كان ماكرون سيبقى أو أن يوم الثالث عشر من مايو سيكون موعد خروجه من قصر الإليزيه!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي