الانسداد السياسي في العراق... إلى أين؟
دخل العراق فراغاً دستورياً بعد فشل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وانتهاء المدة الدستورية لتدخل المحكمة الاتحادية، وهو ما جعل الأمر بيد السياسيين وإمكان تفاهمهم، إذا استطاعوا.
ويبدو أن العقدة الأساسية تكمن بعدم الاتفاق الشيعي - الشيعي أو صعوبة التفاهم بين التيار الصدري و«الإطار التنسيقي»، الذي يُعتقد أنه ما زال بعيداً.
فشل الحلف الثلاثي المؤلف من التيار الصدري و«الحزب الديموقراطي الكردستاني» وحزب «تقدم» برئاسة محمد الحلبوسي في تأمين النصاب المطلوب داخل البرلمان (220 نائباً) لانتخاب رئيس الجمهورية، ولم يتمكن من حشد سوى 202 فقط، بعد قرار «الإطار التنسيقي» الذي يمتلك 127 نائباً، مقاطعة الانتخابات واستخدام «الثلث المعطل» لتطيير النصاب وإفشال عملية الانتخاب.
وبعد الإخفاق في انتخاب رئيس الجمهورية، جمد تالياً اختيار رئيس الحكومة المقبلة. لكن السيد مقتدى الصدر لا يريد إعطاء فرصة مفتوحة لانتخاب الرئيس القادم. فقد أمهل «الإطار التنسيقي» 40 يوماً لاختار «الإطار» الرئيس، كيفما يريد، وهو يعلم أن 127 نائباً لا يستطيعون إتمام العملية الدستورية.
لكن ما هي الحلول الممكنة؟
ثمة من يعتقد أن الحل الأول هو في يد الأكراد. فـ «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، لديه رئاسة إقليم كردستان ورئاسة حكومة الإقليم، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب العراقي. وهو يطالب - كما فعل عام 2018 - برئاسة الجمهورية أيضاً، لإقصاء «الاتحاد الوطني الكردستاني» المحسوب على عائلة طالباني عن موقع رئاسة الجمهورية.
وتالياً، إذا اتفق الطرفان الكرديان على مرشح توافقي غير مرشح بارزاني (ريبر أحمد) أو الطالباني (برهم صالح) يمكن حل عقدة رئاسة الجمهورية.
إلا أن الصدام سيحصل في ما بعد عند الذهاب لاختيار رئيس الحكومة القادم، والذي يحتاج من جديد إلى اتفاق بين الشيعة.
وتعتبر مصادر «الإطار التنسيقي»، ان من الخطر إعطاء بارزاني كل هذه المناصب، وهو يعتبر ان لا سلطة للمحكمة الاتحادية على كردستان ولا تتمتع حكومة بغداد بسيطرة على الإقليم الكردي ولا على قواته (البشمركة) ولا على تصدير النفط وإيراداته، التي يجب أن يعود معظمها إلى الخزينة العراقية.
ويرى «الإطار التنسيقي»، أن الصدر لا يأخذ في الاعتبار متطلبات العراق كدولة وموجبات علاقاتها الإقليمية والدولية، بل «أصبح أسيراً» لمناصريه وتياره، وتالياً فهو لا يخطو الخطوة المناسبة للاتفاق مع «الإطار»، ما قد يدفع العراق نحو مخاطر داخلية يجهلها الجميع في حال كان الخيار أجراء انتخابات نيابية جديدة لا يريدها معظم الفائزين من الطوائف والأحزاب المختلفة.
وتؤكد المصادر، وجود مساعٍ حثيثة للوصول إلى تفاهم ما، إلا أن مهلة الـ40 يوماً أو مهلة الـ 100 يوم، لا تنفع العراق إذا لم يحصل تفاهم بين الشيعة لانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
إنها مرحلة حرجة يمر بها العراق وما من مخرج واضح إلا بتفاهم، يبدو أنه لم ينضج بعد ويحتاج من أطراف عدة للنزول عن الشجرة في وقت يمر العالم بأزمات غذائية عالمية وأزمات وجودية، نتجت عن الحرب في أوكرانيا.
ويبدو أن العراق يعتقد أن باستطاعته عزل نفسه عن العالم والانخراط في مشاكله الداخلية بعيداً عما يحصل خارج أسواره، وهو يعزل نفسه أيضاً عن محيطه، بدليل إفشال كل المبادرات لحلحلة الانسداد السياسي.