السلاح الكيماوي نجم «البروباغندا» ضد روسيا
تعاظم احتمالات حرب أوسع من حدود أوكرانيا
قال الرئيس الأميركي جو بايدن من على منبر المجموعة الأوروبية في بروكسيل، إن حلف شمال الأطلسي، سيرد إذا استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسلحة الكيماوية في أوكرانيا.
ويعتبر هذا الموقف من أخطر ما صدر عن الولايات المتحدة لما له من تبعات على الحرب وإمكان توسعها إلى خارج الحدود الأوكرانية وما يخبئ المستقبل في ساحة الحرب الأوروبية.
وأعلن الرئيس اللاتفي إيجيلس لفيتس، بعد خروجه من لقاء مع بايدن في بروكسيل، أن «استخدام موسكو لأسلحة بيولوجية يشكل خطراً كبيراً على العالم أجمع، ويجب الرد عليه ضد روسيا، التي يجب أن تفكر مرتين قبل استخدام هذا السلاح. لن نعلن عن رد فعلنا الذي نخطط له لأن ذلك سيعلم روسيا بما سنفعله وما ينتظرها.
وإذا حصل ذلك ستتغير الأمور برمتها في أوكرانيا».
وأكد الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، أن «الناتو سيرد إذا استخدمت روسيا الأسلحة الكيماوية».
كذلك أكد زعماء الدول السبع (أميركا، كندا، فرنسا، ألمانيا، اليابان، بريطانيا وإيطاليا) في بيان مشترك، «أن أي استخدام للسلاح الكيماوي يعني تغيير قواعد اللعبة وسيكون بمثابة إعلان حرب على هذه الدول».
وفي المقلب الأوكراني، صرح وزير الخارجية ديمتري كوليبا بأن كييف «لن تعترف إلا باللغة الأوكرانية كلغة وحيدة متبعة في البلاد، وإننا نصر أولاً على وقف إطلاق النار وضمانات أمنية بصون البلاد وعدم تعرضها لأي اعتداء مستقبلي ونريد استعادة السيادة على كامل الأراضي المحتلة».
إذاً أوكرانيا لا تفاوض من موقع ضعيف رغم خسارتها لجزء كبير جداً من مقاطعة دونباس الشرقية والجنوب، بينما تتمركز القوات الروسية على بعد 15 كيلومتراً من وسط العاصمة كييف والقصر الرئاسي.
وهذا دليل على رغبة أوكرانيا بمواصلة الحرب وكسب وقت إضافي في المفاوضات، التي تبدو أنها غير جدية.
وهذا التصميم نابع من الإرادة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تدفع كييف إلى مواصلة القتال لأطول وقت ممكن، عبر مدها بالسلاح والعتاد والدعم الاستخباراتي لتحقيق الهدف والدفع في اتجاه تحويل أوكرانيا إلى «أفغانستان ثانية».
لكن بوتين لن يوقف العملية العسكرية مهما كانت كلفتها العسكرية والاقتصادية قبل تحقيق كامل الأهداف التي لم يعلن عنها، رغم أنه أصبح من الواضح أنه يريد السيطرة الكاملة على دونباس وقضم المدن الواحدة تلو الأخرى إلى حين اقتناع كييف، بالاستسلام.
إذاً، لا تريد واشنطن إكمال الحرب في كييف لشيطنة بوتين وروسيا، لأن هذا الهدف قد تحقق والحرب مستمرة.
ولا تريد رص صفوف حلفائها خلفها - حتى ولو كان التردد سائداً بين صفوف قادة دول أوروبا الغربية، لأن الغرب أصبح موحد القرار ولو على مضض.
ولا تريد أميركا تحقيق إبعاد أوروبا عن استيراد الغاز والنفط والفحم الروسي، لأن هذا المسار قد وضع على السكة وبدأت التدابير اللازمة تتخذ لتقليص الاعتماد على مصدر الطاقة الروسية، رويداً رويداً، وهذا سيتطلب بضعة أعوام للطلاق النهائي.
من هنا فإن الاستنتاج الوحيد من جراء السلوك الأميركي هو أنه من الممكن جداً أن تكون واشنطن تتحضر لمعركة أكبر من ذلك بكثير من خلال اتهام روسيا باستخدام السلاح الكيماوي في مرحلة ما من المعركة الدائرة لتأخذ الحرب منحى أخطر بكثير مما هي عليه اليوم.
ففي سورية، عندما اتهم الرئيس بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية، تدخلت روسيا لمنع أميركا من تدمير الجيش السوري والقيادة في دمشق.
وقد توصل وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري في عام 2013 إلى اتفاق بتسليم سورية سلاحها ومخزونها الكيماوي.
وفي عام 2018 قصفت أميركا وبريطانيا وفرنسا، مواقع عدة في سورية، رداً على اتهام لدمشق باستخدام الكيماوي.
وأعلنت هذه الدول أن دمشق لم تسلم كامل مخزونها وأنها استخدمته ضد مدنيين في منطقة دوما.
وتوحي عملية تهيئة المناخ السياسي - الإعلامي بأن التاريخ يعيد نفسه.
فقد أظهرت روسيا أنها تملك سلاحاً لا تمتلكه الولايات المتحدة عبر استخدامها صواريخ فرط صوتية بسرعة أكثر من 13000 كليومتر في الساعة، والصواريخ المجنحة دقيقة الإصابة، وتسيطر على أكثر الأجواء فوق أوكرانيا.
واستطاعت السيطرة والاشتباك مع الجيش الأوكراني على نحو ثلث الأراضي الأوكرانية، وهي أكملت فقط شهرها الأول من الحرب ودمرت عدداً كبيراً من المطارات ومخازن السلاح والوقود الإستراتيجي.
ولم تحدد موسكو أي سقف زمني لعملياتها العسكرية وتبدو مستمرة وتطور هجماتها المركزة، وفق تقدم ممنهج.
إلا أن أميركا والدول الحليفة لها، بدأت في اتهام موسكو بإمكان استخدام الكيماوي.
وهذا يدل على أن تحضيرات تجري لعملية متقنة أكثر مما كانت عليه عملية ضربة دوما، ربما تكون ضمن السيناريو المقبل، الذي سيثير بلا شك عاصفة إدانة وأصوات تتعالى للرد على الهجوم الروسي.
والسؤال هنا: روسيا كانت العنصر المهدئ بين واشنطن ودمشق، وهي جزء من المعركة المباشرة ضد واشنطن في كييف، فمن سيكون الطرف الذي سينزع فتيل الحرب الكبرى بين «الناتو» وروسيا؟ وهل سيتجرأ الحلف على الدخول في المعركة ضد روسيا، وستقبل أوروبا الغربية الانجرار وراء واشنطن لتنشب حرباً كبرى غير معروفة النتائج على أراضي القارة؟
أكدت روسيا أنها لن تستخدم سلاحها النووي إلا في حال تعرضت لـ «خطر وجودي».
فهل يقتصر السيناريو، إذا حصل، فقط على إضافة استخدام الكيماوي، إلى لائحة الاتهامات ضد بوتين، ويصار إلى تقديم «أدلة» إلى المحكمة الدولية لـ «مجرمي الحرب»؟
من الصعب أن تكتفي أميركا بحملة إعلامية دولية لتزداد النقمة على روسيا ورئيسها.
ولن تجابه روسيا قوات «الناتو» مجتمعة في حرب كلاسيكية لا تستطيع التفوق فيها خصوصاً بعد أن درست قوات الأطلسي، اداء الجيش الروسي، الذي لا يرقى إلى مستوى دول «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة، والتي خبرت حروباً كثيرة في أفغانستان والعراق وسورية في العقدين الماضيين، وتالياً يبقى الخيار النووي التكتيكي، بداية، هو السلاح الذي لن تتردد موسكو في استخدامه إذا شعرت بخطر وجودي.
فإلى أين تأخذ الحرب في أوكرانيا، العالم؟ وهل ستنهي على حدود أوكرانيا ويتجنب العالم كارثة أعظم، أم تخرج عن السيطرة إذا لم يكتف الغرب بألم موسكو الاقتصادي من جراء العقوبات التي لم يسبق لها مثيل؟