هل حان الوقت لـ «يالطا - 2» لفرض نظام عالمي جديد؟
روسيا تتوعد أعداءها بـ «هزات تسونامية» مقبلة!
مازال النفط والغاز يصل إلى أوروبا وأميركا في شكل طبيعي، رغم الحرب غير المعلنة بين أميركا وحلفائها وروسيا على أرض أوكرانيا.
إلا أن الغرب وجد خصماً لديه أوراق كثيرة يلعبها ويمتلك القدرات لإحداث وجع لا يُستهان به، خصوصاً بعدما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين انه يمنع تصدير المنتجات والمواد الخام من روسيا حتى نهاية عام 2023، على أن يتم تحديد قائمة الدول «غير الصديقة».
وهذا القرار يُعد ضربة قاسية لأوروبا في الدرجة الأولى، وأيضاً للعالم الذي سيتألم من الحرب الاقتصادية المتبادلة بين موسكو وواشنطن.
تصدر روسيا إلى العالم مواد لا تستطيع الدول الاستغناء عنها على الأقل في الأيام والأشهر أو السنوات المقبلة. فهي تصدر النفط بقيمة 141 مليار دولار (يمثل نحو 35 في المئة من صادراتها)، والحديد والصلب بقيمة 16 مليار دولار (4.8 في المئة من صادراتها)، والأحجار الكريمة والمعادن النفيسة بقيمة 30.4 مليار دولار (9 في المئة من صادراتها)، والحبوب بقيمة 9.5 مليار دولار (تشكل 2.8 في المئة من صادراتها)، والآلات بما فيها أجهزة الكمبيوتر بقيمة 8.3 مليار (2.5 في المئة من صادراتها)، والخشب بقيمة 8.2 مليار (2.5 في المئة من صادراتها)، والأسمدة بقيمة 7.5 مليار والتي تمثل (2.8 في المئة من صادراتها)، والنحاس بقيمة 5.6 مليار (1.7 في المئة من صادراتها)، والألمينيوم بقيمة 5.5 مليار (1.8 في المئة من صادراتها)، والأسماك بقيمة 4.6 مليار (1.4 في المئة من صادراتها).
وتُعلن روسيا انها ستوقف صادراتها إلى حين إعداد لائحة بأعدائها أو خصومها وحلفائها.
وهذا يعني انها من المحتمل أن توقف تصدير الغاز إلى بعض الدول الأوروبية التي اتخذت موقفاً عدائياً تجاهها (وعلى رأسها بريطانيا)، ودول أخرى حليفة للولايات المتحدة، وتالياً، فإنها لن تصدر مشتقات «الميثانول» إلى أوروبا، وهي مادة خام للبنتاريثريتول (تصدر 40 في المئة من إنتاجها إلى أوروبا) واليوروتروبين (50 في المئة من إنتاجها).
وفي خضم موسم الزراعة والتبذير، تتخلى موسكو عن المزارعين الأوروبيين والأميركيين، إنسجاماً مع القرار السياسي، خصوصاً ان حصة روسيا في الأسواق العالمية تمثل ثلث الإنتاج العالمي لأسمدة البوتاس، ونحو 10 في المئة من الأسمدة النيتروجينية، ونحو 20 في المئة من الأسمدة الأخرى.
كما تستخوذ على 80 في المئة من سوق ألواح رقيقة مصنوعة من الحجر الصناعي، تستخدم في البصريات والإلكترونيات الدقيقة وفي صناعات مختلفة منها «السيليكون» وتتكئ عليها شركات ضخمة مثل AMD وINTEL، والتي تعتبر روسيا الأولى في العالم بإمدادها بالمواد الطبيعية الحجرية النادرة والمستخدمة لهذه الأغراض.
من غير المعلوم ما سيفعله العالم، الذي لم يحسب حساب رد فعل بوتين، خصوصاً ان العديد من دول الغرب كانت تعتقد ان روسيا هي مجرد محطة غاز ونفط ولكن بقدرات نووية صاروخية ليس إلا.
وهذا يدل على عدم إدراك القوة الفعلية لموسكو، بسبب تحكم الغرب بالإعلام العالمي الذي يغض النظر عن الكارثة التسونامية والزلازل الاقتصادية التي تستطيع روسيا إحداثها إذا أرادت اتباع إسلوب الولايات المتحدة بفرض العقوبات، يميناً ويساراً.
ولم يتردد الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي قال لمواطنيه ان «عليهم أن يتحملوا وأن العالم سيتأثر بالعقوبات التي تفرضها أميركا على روسيا»، في الإقرار ضمناً بالأذى الذي تستطيع روسيا إلحاقه ليس فقط بأميركا بل بالعالم إذا ما أخرجت من جعبتها سلاح العقوبات.
ومن المحتمل أن يكون ترجل أميركا عن صهوة الهيمنة الدولية سريعاً وليس بطيئاً، وكذلك انتهاء سيطرة الدولار على التجارة العالمية، ومعه هيبتها.
وللمرة الأولى منذ العام 1973، إبان أزمة إشهار العرب سلاح النفط بوجه أميركا لدعمها إسرائيل، رفضت دول عربية الالتزام بالطلب الأميركي بزيادة استخراج النفط أو توجيه الإصدار الإضافي إلى الأسواق لإحداث توازن في الأسعار العالمية ومنع ارتفاعها في شكل جنوني.
وقد لجأت أميركا إلى فنزويلا وإيران، في محاولة فاشلة لإعادتهما إلى الأسواق النفطية والغازية العالمية.
سترتد العقوبات التي فرضها الغرب سلباً على القارة الأوروبية في الدرجة الأولى، بينما تتجه روسيا إلى الشرق وآسيا وأفريقيا، حيث يقيم أكثر من نصف سكان العالم، وتترك الغرب وشأنه يتخبط بنتائج ارتباطه بالسياسة الأميركية، إلا إذا تدخلت أوروبا لإيجاد حل عبر جلوس موسكو وواشنطن إلى طاولة واحدة لمعالجة خلافاتهما وتنظيمها وإعادة تفعيل القوانين الدولية واحترامها لتكون متساوية بين الدول كافة، وتالياً منع الاجتياحات والاحتلالات وفرض العقوبات على الدول الأضعف ومحاسبة الدول على أفعالها مهما كانت قوية.
إن نهاية الحرب العالمية الأولى، إنتجت «اتفاق يالطا» بين الدول العظمى لاقتسام السلطة... فهل حان الوقت لـ «يالطا - 2» لإنهاء الهيمنة الأحادية وفرض نظام عالمي جديد؟