الحرب الروسية على أوكرانيا... القرار بيد واشنطن
- بوتين مستعد لأي سيناريو في حال اندفعت الأمور نحو الأسوأ
من غير الدقيق القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعيد إحياء الاتحاد السوفياتي السابق، لما يترتب عليه من استعادة أراض ومسؤولية للدولة التي أرهقتها السياسة السابقة وتحررت منها بإعطاء الاستقلالية لمناطق متعددة أصبحت دولاً بعد الانسحاب السوفياتي من برلين الشرقية وفرض «البريسترويكا»، بل إن بوتين يظهر فائض القوة لديه ويوجه رسالة للغرب وبالتحديد لأميركا، قائدة حلف شمال الأطلسي، بأنه لن يفاوض ويساوم على أمن روسيا، وأن أي تحرك يشكل تهديداً لموسكو لن يسمح به مهما كانت النتائج.
وإذا كانت الرسالة اليوم إلى كييف فغداً إلى تبليسي، عاصمة جورجيا، الموجودة على لائحة الانضمام للناتو. ولكن، هل سترد أوكرانيا على اعتراف روسيا باستقلال مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك وتدفع روسيا للرد العسكري؟ هذا القرار بيد ساكن البيت الأبيض وخطط جنرالاته بدفع القارة الأوروبية إلى الحرب أم لا.
اعترف الرئيس الروسي بمنطقة دونباس مستقلة عن أوكرانيا، والتي تشكل منطقتي لوغانسك ودونيتسك، وهي تعتبر بمثابة منطقة عازلة أمام الحدود الروسية - الأوكرانية.
ولا تحتاج موسكو إلى منطقة عازلة لحماية حدودها لأنها تمتلك السلاح والصواريخ الدقيقة والمدمرة، والتي تستطيع معالجة أي هدف أو أهداف متعددة والقضاء عليها. بل هي تسعى لإيصال رسالة للغرب، وللولايات المتحدة خصوصاً التي تقود جبهة متشنجة من الحلفاء، أن موسكو اليوم ليست موسكو عام 1991 - 1997.
في تلك الأعوام، أكد وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر للرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف، حسب سجلات ومراسلات عام 1990 (نشرتها وكالة الأمن القومي الأميركية)، أن حلف شمال الأطلسي، لن يتمدد خارج حدوده الحالية، أي نحو دول الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي العام 1993، أكد الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين في رسالة لنظيره الأميركي حينذاك بيل كلينتون، «ضرورة إعادة النظر بقرار ضم دول أوروبية شرقية إلى حلف الناتو، وأن هذا التمدد لن يحول دون التهديدات التي يمكن أن تعصف بأوروبا وأن روحية الاتفاق الموقع عام 1990 تمنع أي وجود عسكري في ألمانيا الشرقية وتوسع الناتو شرقاً».
لكن في 1997 دعا «الناتو» دول أعضاء «حلف وارسو» سابقاً، المجر وتشيكيا وبولندا، للانضمام إليه، وهذا ما حصل عام 1999. وفي 2004، انضمت بلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى «الناتو». وتبعت هذه الدول أيضاً، كرواتيا ومونتينيغرو وألبانيا وشمال مقدونيا بين 2009 و2020، وهي دول كانت تمثل يوغوسلافيا السابقة.
وتعتبر الاتفاقات والتفاهمات بين أميركا وروسيا، أن «الناتو» ليس عدواً، بينما وصف القائد الفعلي للحلف، الرئيس جو بايدن، نظيره الروسي بأنه «خصم» و«قاتل» وأنه «سيدفع الثمن»، وتالياً فإن المعركة لم تبدأ باعتراف بوتين بمقاطعة دونباس مستقلة، بل يوم وصل بايدن إلى البيت الأبيض.
لقد أعطى الرئيس الروسي إشارات واضحة ومتعددة لأميركا بأنه لن يقبل انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى «الناتو» وأنه لن يفاوض على أمن موسكو. فاعتقد الغرب أنه يستطيع إخضاع بوتين، كما تجاهل قبلاً غورباتشيوف ويلتسين. أو اعتقد البيت الأبيض في أسوأ الأحوال، أن روسيا ستدخل الحرب لاحتلال أوكرانيا، وأن خبرة أميركا وفشلها بالبقاء في أفغانستان والعراق، تؤكد أن الدول المحتلة تستطيع الانتصار بالحرب، ولكنها تفشل في البقاء والمحافظة على الأرض.
إلا أن الرئيس الروسي لم يذهب إلى احتلال أوكرانيا، ولن يفعل ذلك عبر جيشه، بل هو يؤكد أن لا استقرار في أوكرانيا إذا انضمت إلى «الناتو» وسيفعل الشيء عينه في جورجيا في حال تقدم حلف الشمال الأطلسي لبناء قواعد فيها.
قال بوتين إن الغرب «سيفرض عقوبات في كل الأحوال»، وتالياً فإن قراره نابع من تصميم على موقفه ومن قوة يشعر أنه يستطيع من خلالها مواجهة الغرب. بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار السلم والحرب أصبح اليوم بيد أميركا: هل يدفع بايدن أوكرانيا إلى المواجهة ليجذب رد فعل موسكو العسكري؟ من المؤكد أن تحرشات واستفزازات ستحصل، إلا أن حرباً شاملة على كييف غير متوقعة في القريب العاجل.
بدأت أوروبا بفرض العقوبات، وانضمت إليها بريطانيا، التي تبحث عن موقع مميز لإرضاء أميركا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي. ولن يفتتح خط الغاز «نورد ستريم - 2»، الذي يصل روسيا بأوروبا، التي تدفع أكلافاً باهظة بارتفاع ثمن الغاز 10 في المئة منذ بدء الأزمة.
تجد أوروبا نفسها عاجزة عن سلوك أي خيارات لا تضر بمصالحها لأن قرارها مرتبط بقرار واشنطن، التي تدير اللعبة في وجه بوتين، وهو الذي لن يتراجع قيد أنملة عن قراره التدحرجي، والمستعد لأي سيناريو في حال اندفعت الأمور نحو الأسوأ، من دون أن يكون خيار احتلال الأراضي الأوكرانية بأكملها على الطاولة الروسية.