مستعدة للقاء مباشر مع أميركا «إذا»...
إيران تشترط لـ«مرونتها» رفع العقوبات أولاً
لم يعقد أي لقاء أميركي - إيراني حول ملفات أمنية أو أي ملف آخر، كما ذكر بعض وسائل الإعلام. بل إن إيران تربط إمكان حصول لقاء مباشر بين الدولتين عند إحراز تقدم في مجال رفع العقوبات كاملة عن طهران، والتي فرضتها إدارة دونالد ترامب وحافظت عليها الإدارة الحالية بقيادة جو بايدن، إضافة إلى الضمانات بعدم خرق الاتفاق النووي مرة أخرى.
إلا أن هناك مفاوضات غير مباشرة تجري منذ مدة حول تبادل السجناء بين الدولتين ولا تتعلق بالتقدم على جبهة الملف النووي من عدمه.
وتقول مصادر إيرانية قيادية، إن «طهران لن تقدم مجاناً لإدارة بايدن ما لم تقدمه لإدارة ترامب، وتالياً فإنها غير متشجعة لالتقاط الصور وإعطاء بايدن أي تنازل ما لم تعود أميركا إلى الاتفاق النووي، أو أقله ترفع العقوبات كاملة كبادرة حسن نية.
إلا أن الرئيس الأميركي يبدو غير مستعد لتقديم مشروع العودة إلى الاتفاق النووي بصيغة العام 2015 مع الضمانات التي تطلبها إيران لأنه يدرك أن الولايات المتحدة لن تستطيع الالتزام بعهودها لأنه لن يستطيع منع أي رئيس مقبل من تمزيق الاتفاق النووي، كما فعل ترامب عام 2018. ولغاية اليوم، لم تقدم واشنطن أي حلول للمطالب الثلاثة المهمة التي تصر عليها طهران على الرغم من تقدم المفاوضات عما كانت عليه سابقاً».
لا يستطيع بايدن تقديم اتفاق نووي جديد لأن ذلك من شأنه فرض طلب موافقة الكونغرس، التي يمكن ألّا يحصل عليها. وهو يعلم أن المسؤولين الأميركيين لا يمتلكون أي حل آخر إذا رفضوا الاتفاق النووي لأن خيار الحرب غير مطروح على الطاولة بسبب كلفته الباهظة وخطر جر منطقة الشرق الأوسط بأكملها إلى صراع غير محسوم النتائج، خصوصاً أن أميركا لن تستطيع تدمير المشروع النووي الإيراني ولا المعرفة النووية التي وصلت إليها طهران، بالإضافة إلى أن التقدم الصاروخي الذي بلغته يمكنها من استهداف نقطي للقواعد الأميركية في المدى الذي تطاله الصواريخ الإيرانية، وكذلك استهداف أي مكان داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.
لهذا السبب، ارتضت القيادة في تل أبيب بالرؤية الأميركية على قاعدة أن الاتفاق النووي أفضل من عدمه - رغم إعلانها عدم الالتزام بها - خصوصاً عندما أكدت الولايات المتحدة أنها غير مستعدة للذهاب إلى الحرب لإرضاء إسرائيل، وتالياً فإن إدارة بايدن تريد أن تعيد العمل بالاتفاق النووي من دون تقديم ضمانات تطلبها إيران ومن دون رفع جميع العقوبات.
من هنا، فإن طرح إيران الاحتفاظ بأجهزة طرد متقدمة لا ينص عليها اتفاق عام 2015 تعتبره أميركا غير ممكن لأنه يشكل اتفاقاً ببنود جديدة وفقرات إضافية تحاول واشنطن المراوغة في شأنها.
إلا أن طهران أظهرت إصرار مفاوضيها على رفع العقوبات والحصول على الضمانات والعودة إلى اتفاق عام 2015، وهي نقاط ترى فيها أوروبا والصين وروسيا حق لإيران، وتالياً هناك محاولة جدية لدفع أميركا إلى اتخاذ القرار السياسي المطلوب لإنهاء المفاوضات والتحضير للقاءات وزراء خارجية للدول الموقعة على الاتفاق النووي، بما فيها أميركا.
إلا أن واشنطن مازالت تفاوض على عدد العقوبات (أكثر من 1650 عقوبة) التي تختلف في طبيعتها بين عقوبات تتعلق بالملف النووي وأخرى تتعلق بالإرهاب وغيرها وتتردد بتقديم الضمانات اللازمة لطمأنة إيران.
لم يكن عابراً قول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بصراحة إنه مستعد للقاء مباشر مع أميركا فقط إذا حصلت طهران على طلباتها بتنفيذ الاتفاق النووي الموقع عام 2015 وبضمانات للتنفيذ لكي لا يخرقه رئيس أميركي بعد بايدن بالتأكد من ان كل الشركات الأجنبية تستطيع العمل في إيران وأن العقبات أزيلت أمام التحويلات المصرفية من إيران وإليها.
وذلك رغم الاعتقاد بأن تجارب الولايات المتحدة غير مشجعة، خصوصاً حيال اتفاقاتها حول نشر الأسلحة الإستراتيجية والاتفاق مع «طالبان»، ومع روسيا في شأن عدم نشر قوات الناتو في دول الاتحاد السوفياتي السابق، والاتفاق النووي الذي مزقه ترامب.
إلا أن الرئيس الإيراني أكد أنه يعمل وكأن الاتفاق النووي لم يُتمم وانه مازال بعيد المنال وأن إيران حسمت أمرها بالاتجاه نحو حلفاء لها غير الغرب مهما كانت نتائج الاتفاق النووي. فطهران ترفض إعطاء مهلة زمنية للاتفاق، بينما تردد أميركا دائماً انه لم يعد هناك سوى أسابيع قليلة لإنهاء الاتفاق من عدمه، ثم تعود إلى الكلمات ذاتها بعد بضعة أسابيع.
مما لا شك فيه ان إدارة بايدن تعمل بجد على ملفات عدة، وأهمها جرّ روسيا إلى حرب في أوكرانيا وإضعافها وإخضاع الصين بعد إضعاف موسكو أولاً. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس الأميركي يعمل على الملف النووي بوتيرة غير عالية رغم تصريحات دائمة للإدارة عن «الفرصة الأخيرة».
ولا تمتلك واشنطن بديلاً عن الاتفاق النووي وهي تحاول الخروج بأقل خسائر ممكنة وتحاول، في الوقت نفسه، عدم إعطاء إيران كل ما تريده، من دون أن تدرك أن إيران لن تعود إلى الاتفاق من دون مكتسبات جديدة إذا غابت الضمانات.
وتعتبر إيران نفسها غير معنية بما يحصل في الداخل الأميركي والإحراج الذي قد يصيب بايدن أمام الكونغرس في حال اعتبر الاتفاق النووي اتفاقاً جديداً وبفقرات إضافية، وهي تقول لأميركا أن جل ما عليها فعله هو رفع العقوبات جميعها لتحل الأمور وتسهل المفاوضات ويعاد الالتزام بالاتفاق الأساسي الذي لا يحتاج إضافات.
هذه هي كلمة السر الإيرانية في انتظار تخلي بايدن عن المراوغة. ولا تستبعد المصادر الإيرانية أن تكون واشنطن تنتظر ما سيحصل في أوكرانيا واذا ما جنحت روسيا نحو الحرب التي تتمناها لها الولايات المتحدة، قبل المضي بقوة وثبات - إذا لم تحصل الحرب - أو يتلكأ إذا ضعف الحلف الروسي - الإيراني - الصيني، وتالياً تكون أميركا أفقدت إيران أحد عناصر قوتها.
إلا أن خطأ مثل هذه الحسابات يعود إلى عدم إدراك واشنطن أن إيران تعمل وكأن الاتفاق لن يحصل أبداً وان العقوبات باقية وقد تعودت على ألمها ونتائجها الموجعة طيلة 43 عاماً.