لماذا تدفع أوروبا ثمن تهديد أميركا لروسيا في... أوكرانيا؟

شحنة مساعدات عسكرية من ليتوانيا إلى أوكرانيا (رويترز)
شحنة مساعدات عسكرية من ليتوانيا إلى أوكرانيا (رويترز)
تصغير
تكبير

توحي تحضيرات الولايات المتحدة وأوروبا ودول غربية أخرى، وكأن الحرب بين روسيا وأوكرانيا واقعة غداً، بعدما أُعطيت التعليمات لجميع الأميركيين والغربيين بالانسحاب ومغادرة أوكرانيا على جناح السرعة تفادياً لتكرار تجربة أفغانستان مجدداً، حين انسحبت واشنطن على عَجل وفي شكل غير منظم.

وهذا يعني أن أميركا تعتقد أن لديها الوقت لانسحاب مخطط له ومدروس وليس على طريقة الانسحاب المفاجئ.

وفي ظل قرقعة السلاح المتعاظمة، ماذا سيحصل للقارة الأوروبية وإحتياجاتها من الغاز، بعدما قررت واشنطن سحب البساط من تحت القرار الأوروبي في ضوء ما أعلن على لسان الرئيس جو بايدن بأن خط الغاز الروسي - الألماني «نورد ستريم -2» سيتوقف عن العمل (لم يدشن بعد) في حال نشوب الحرب؟

تعتمد أوروبا على روسيا لاستيراد الغاز الطبيعي بنسب أكثر من 38 في المئة من احتياجاتها، وأقل من ذلك بكثير من استيراد النفط الروسي الذي تعتمد عليه أميركا بالدرجة الأولى.

وأكثر الدول الأوروبية استيراداً للغاز هي ألمانيا، التي تصل كميتها إلى أكثر من 65 في المئة من احتياجاتها، تليها إيطاليا (43 في المئة) واليونان (39) وهولندا (26 ) وفرنسا (17) والسويد (13) وإسبانيا (10) والبرتغال (9.7) وبلجيكا 6.5 في المئة، وفق إحصاءات Eurostat الأوروبية.

أميركا توحي بأنها تحارب عن أوروبا وتتصرف وكأنها تمتلك القرار بينما سيكون قطع الغاز الروسي - إذا حصل - مؤلماً جداً للأوروبيين وليس للولايات المتحدة التي لا تتأثر بالقرار إذا حصل، علماً ان روسيا لم تعد تعتمد على الغاز في ميزانيتها السنوية كمصدر أساسي لدخلها واحتياطها بالعملة الصعبة، وهو الذي بلغ 630 مليار دولار.

وهذا ما سيمكن الرئيس فلاديمير بوتين من مواجهة أي قرار أميركي - أوروبي يتعلق بفرض العقوبات الاقتصادية عليه، خصوصاً أنه عقد اتفاقات إستراتيجية مع الصين وإيران لمواجهة أي إجراءات غربية، وعلى نحو يمكن روسيا من مواصلة عجلتها الاقتصادية، بما يحررها من القرار الغربي مبدئياً من دون أن يعني ذلك أن العقوبات غير مؤلمة.

ونجاح العديد من الدول في المحافظة على قرارها المستقل بعد أعوام من العقوبات يمثل نموذجاً، وتالياً فإن روسيا، التي تمتلك قوة وموارد أكبر بكثير من غيرها، لن ترضخ للإرادة الأميركية على حساب أمنها القومي الحيوي.

ولن تكون الواردات من الغاز المسال من مصادر أخرى، بينها الولايات المتحدة، كافية لتغطية الاحتياجات الأوروبية الكبيرة - خصوصاً الألمانية والإيطالية - التي ستصاب بنكسة كبيرة من المرجح أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل جنوني في القارة العجوز، التي تعتمد على الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية والعمليات الصناعية والتدفئة.

وتعتمد أوروبا أيضاً على النرويج (22 في المئة) والجزائر (17) وأذربيجان (9) لاستيراد الغاز الطبيعي، وكذلك يصلها الغاز المسال من الولايات المتحدة الميركية لإكمال ما تحتاجه سنوياً. ولذلك فان أوروبا لم تجد لغاية اليوم، أي دولة تستطيع الحلول مكان الغاز الروسي سوى بنسبة لا تتجاوز الـ 10 - 15 في المئة ليبقى العجز نحو 25 - 30 في المئة.

وهذا سيشكل ارتفاعاً كبيراً في أسعار الغاز على نحو يؤدي إلى إسقاط حكومات إذا أرادت رفع السعر ليتحمل المُستهلك التبعات في ضوء القرار الأميركي بمواجهة روسيا وليس أوروبا، التي لا تكن العداء لموسكو ولا تعتبر أن نشر صواريخ إستراتيجية في أوكرانيا أو جورجيا، مسألة حياة أو موت.

تملك روسيا 1.688 تريليون مكعب من احتياطات الغاز الطبيعي تستطيع إمدادها بالغاز لمدة أقلها مئة عام. وكذلك تصدر ما قيمته بين 73 إلى 121 مليار دولار سنوياً من النفط إلى أميركا وحدها. وهذه النسبة تعتبر منخفضة بالنسبة إلى ما كانت تصدره عام 2012، والتي بلغت حينها 181 مليار دولار دفعتها واشنطن لموسكو ثمن النفط.

إلا أن الاقتصاد الروسي وميزانيته اعتمدا على النفط بسعر 41 دولاراً للبرميل الواحد والذي تخطى عتبة الـ93 دولاراً في الأيام الأخيرة.

بالإضافة إلى الاحتياطي النقدي الذي تملكه روسيا، فإن العقوبات الأميركية لن تمنع موسكو من احتلال العاصمة الأوكرانية كييف وفرض تغيير النظام فيها، إذا ما وجد بوتين أن لا خيار له إلا الحل العسكري لإنهاء الأزمة في حال لم تتقدم أميركا بالحل الشافي.

ومن الواضح أن الولايات المتحدة تساهم بالموازنة الأكبر لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يضمن هيمنتها العسكرية على «أوراسيا»، ويبقي أوروبا تحت عباءتها.

فمن حيث نسبة الناتج المحلي الإجمالي (القيمة الإجمالية للسلع المنتجة والخدمات) المخصصة للنفقات الدفاعية، تنفق الولايات المتحدة أكثر من أي دولة من دول «الناتو» الأخرى البالغ عددها 29.

وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة أنفقت ما يزيد قليلاً على 3.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بينما كان المتوسط لأعضاء «الناتو» الأوروبيين وكندا 1.77 في المئة.

وتبلغ الميزانية والبرامج السنوية للحلف نحو 2.5 مليار دولار في شكل عام. وبالنسبة إلى الفترة بين 2021 - 2024 ستكون الولايات المتحدة وألمانيا أكبر المساهمين في احتياجات «الناتو» المادية، حيث تدفع كل منهما ما يزيد قليلاً على 16 في المئة بالتساوي.

صممت أوروبا لتصبح - بعد الحرب العالمية الثانية - أكبر سوق تصدير لأميركا، لمنع سباق تسلح أوروبي ولكي لا تنفق المال على جيوشها، كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتالياً فإن القرار الأميركي بالنيابة عن أوروبا ليس مُستغرباً.

وبرأي المراقبين، أنه ينبغي على الولايات المتحدة ألا تتفاجأ إذا ازداد الوعي الأوروبي الذي يسير خلف واشنطن، على مضض.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي