قاآني جوبه برفض الصدر وساطة الكردي بارزاني... شيعياً
إيران ترتكب «أخطاء إستراتيجية» في العراق
يتعزز الاعتقاد، في ضوء مجريات الأحداث في بغداد، أن إيران خسرت الكثير من المعرفة في الداخل العراقي والإلمام بتفاصيله، بعدما فقدت اللواء قاسم سليماني، الذي أمر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باغتياله في يناير 2020 خارج مطار بغداد.
ولم يكن أدل على هذا الاستنتاج، من طلب قائد «فيلق القدس» الجنرال إسماعيل قاآني، من الزعيم الكردي مسعود بارزاني التوسط مع السيد مقتدى الصدر، ليوفق بين شيعة العراق المختلفين في ما بينهم، ما يؤشر إلى قلة دراية بالديناميكية العراقية وبعقلية الصدر الذي رفض الاستجابة.
ومن الثابت، أن الصدر لا يمكن أن يقبل بأي تدخل خارجي وعلني، خصوصاً من إيران، في عملية تشكل حكومته المقبلة أو القبول بضغوط للتوافق مع الأطراف الشيعية المدعومة من طهران.
إضافة إلى أنه سيرفض أمام مناصريه ومنتخبيه، أي وساطة إيرانية بعد الشحن الكبير الموجود بين أنصار «التيار الصدري» وأنصار «الإطار التنسيقي»، خصوصاً داعمي رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
فصفحات التواصل الاجتماعي، تضج بالشتائم والألفاظ القاسية بحق الصدر، الذي لا يتردد مناصروه بكيل الصاع صاعين، للمالكي ولإيران، في تعبير عن خلافات حادة لم يشهدها العراق قط في التاريخ الحديث داخل البيت الشيعي وبين أطرافه.
وفي ظل هذا المناخ، تم التعاطي مع طلب قاآني من بارزاني، التوسط مع الصدر، على أنه «خطأ إستراتيجي فظيع» لأسباب عدة، منها:
أولاً: لأن ذلك من شأنه أن يدفع زعيم «التيار الصدري» للتصلب في موقفه أكثر تجاه إيران، التي هدد أحد مسؤوليها شخصية مساعدة لمقتدى منذ أسابيع، بسبب موقف «التيار» من التفاهم الشيعي - الشيعي.
ثانياً: إن الصدر سيكون أكثر تشدداً في موقفه، لأن الوساطة كانت علنية، وقد خرج للملأ، خبر التدخل الإيراني لرأب الصدع. وهذا سيؤكد للجميع في الشرق الأوسط والغرب، أن مقتدى هو الخيار الأمثل لقيادة العراق، الرافض للتدخل الإيراني العلني.
ثالثاً: إن بارزاني، أول من يطالب باستقلال كردستان عن العراق، وتالياً فإن الخلاف الشيعي لن يقض مضجعه، بل على العكس، فهذا يعزز موقفه وموقف مرشحه لرئاسة الجمهورية هوشيار زيباري، الذي يتعارض مع مرشح «الإطار التنسيقي» الموالي لإيران، برهم صالح.
رابعاً: من غير المستبعد أن يكون للمالكي يداً بإعطاء المشورة لإيران بإيفاد جنرالها قاآني للوساطة، لكي يظهر الصدر على أنه المتشدد المذنب والمسؤول عن خرق الصف الشيعي.
لقد اعترف الصدر مراراً بأنه يريد التفاهم مع «الإطار التنسيقي» من دون المالكي.
إلا أن هذا لم يعد ممكناً بسبب رفض الأخير التنحي.
فهو يعتبر نفسه «الأب الروحي» لأيتام «الإطار التنسيقي» الذي حصل على مقاعد نيابية لا تذكر، وتالياً فالمالكي يفعل ما بوسعه لجرّ «الإطار» خلفه، وعزل نفسه عن العملية السياسية والدور الذي يمكن أن يلعبه «الإطار التنسيقي» في الحكومة المقبلة برضى الصدر من دون وجود المالكي.
وهذا أيضاً لا يصب في مصلحة «الإطار التنسيقي» بالابتعاد عن الحكم والحكومة ما سيضعف وجوده السياسي على الساحة العراقية.
ولن يتردد الصدر بضرب نفوذ «الإطار» وأطرافه في مراكز الدولة، إذا قرر ذلك، كما فعل أخيراً في المحافظات والبلديات التي عين فيها ممثلون له بدل المحافظين السابقين الذين أجبروا على تقديم استقالتهم.
إنه عراق جديد ترتكب فيه إيران «أخطاء إستراتيجية» لقلة إدراكها بتفاصيل العملية السياسية، وبعقلية الساسة العراقيين.
ولكنه عراق جديد أيضاً لأن تجربة الصدر في الحكم ستكون مثيرة للمتابعة.