No Script

من الخميس إلى الخميس

صقورٌ ودخان

تصغير
تكبير

قرأت مقالاً قديماً للروائية الجزائرية (أحلام مستغانمي)، المقال يحمل غضب السخرية أو سخرية الغضب من الجمهور العربي. غضبٌ من الجمهور الذي يتداول أسماء المطربين والمشاهير، يحفظها وينشرها في الأجواء حتى لتخال أن جماهيرنا العربية تتنافس بينها في التفاخر بتلك الأسماء، والسعي للترويج لها.

في المقابل لا يعرف الجمهور أسماء مبدعي أوطانهم ولا يتباهون بعلمائهم وأدبائهم ومثقفيهم. السؤال هل هذه الظاهرة تستحق الغضب والسخرية؟

برأيي أن تلك المشاعر السلبية تجاه عامة الجماهير لا يوجد ما يبررها. كيف نغضب أو حتى نستغرب حين يُعجَب العامة في أي أمة، يعجبون بمشاهير الغناء والفن ومشاهير وسائل التواصل الاجتماعي مهما بلغت تفاهتهم، إنها طبيعة الحياة، فهناك تداخلات كثيرة وبعضها مرسوم من أجل التحكم بمزاج العامة، العامة الذين يُشكّلون الأغلبية في أي مجتمع، إنها قواعد إدارة الشعوب وكل غضب أو سخرية لا بد أن نوجهه لمن يدير لا من يدار.

هناك أموال تُستثمر ووسائل إعلام يتم توجيهها من أجل السيطرة على الرأي العام.

تقول الروائية الجزائرية (حضرني قول ستالين وهو ينادي الشعب الروسي من أجل مقاومة النازيين وهم على أبواب موسكو، ناداهم قائلاً: دافِعوا عن وطن بوشكين وتولستوي)، كان نداء يحمل تقديراً للأدباء واحتراماً للشعب الذي يعرف قدرهم، ثم تُكمل الأديبة (أحلام) قائلة بمرارة: في وقت الأزمات لن تجد شعوبنا سوى أولئك المشاهير السطحيين للتذكير بأسمائهم بعد أن نست جماهيرنا علماءهم وقادة الفكر لديهم.

ربما نسيت الأديبة الثائرة أن (بوشكين) الروائي الروسي القدير مات مقتولاً وهو لم يُتم الأربعين عاماً، وأن (تولستوي) الأديب العظيم مات في قرية صغيرة، وقد رفض الكهنة دفنه وفق الطقوس الدينية، لم يكن هذان الكبيران محل تقدير في زمنهم، إنها طبيعة الحياة، لا كرامةَ لكبيرٍ في قومه، فالكبار صقور تطير فوق الدخان، ولن يعجب هذا أصحاب النفوذ من الذين ينشرون الدخان حتى لا يرى العامة أمامهم.

إن عادة أصحاب السلطة أو المال عشق السيطرة والتحكم والتوجيه بكل الأساليب الممكنة ومهما كلف الأمر، إنها لذة الحكم وبهجة النفوذ، لذا ينتشر الصغار الذين تعرفهم العامة وتفتخر بهم وتنتسب إليهم.

عزيزتي (أحلام) لا تغضبي، فأكثر الناس مهما حَرصتِ لن يقرؤوا لك كتاباً، ولن يهتموا باقتناء أدب راقٍ، أو مقالة علمية مفيدة، هكذا هم البشر في كل مكان، لقد خاطب ربنا جل شأنه نبيه الكريم بقوله {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} (يوسف 103).

ويمكن أن نقيس على هذا المعنى العظيم قيماً أخرى، فأكثر الناس مهما حرصنا لن يكونوا واعين بحقيقة الجمال الروحي ولا متعة التفكير العقلي، معظم الناس مشغولون باللهو مستمتعون بالقيل والقال والجدل التافه العقيم.

لا يجب أن يغضب العلماء والأدباء وقادة الفكر من حقيقة ستبقى ما بقي الإنسان، يكفي أن تتوافر لدينا قلة من العلماء والأدباء والمفكرين، فهؤلاء على قلتهم هم الدرع الواقي الذي يمنع سقوط الأمم، إنهم القادة الحقيقيون الذين سندعوهم بأسمائهم وقت الحاجة مهما حاول البعض طمس معالمهم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي