هل تترك الحكومة المرتقبة المعركة لمن يريد خوضها؟
الفصائل العراقية تتحدى أميركا... فهل يقع الصدام؟
بعد منتصف ليل 31 ديسمبر عام 2021، قامت فصائل بضرب قافلتين تحملان معدات لوجستية وناقلات للقوات الأميركية جنوب العراق... وتتالت الضربات اليومية لتشعل قاعدة فيكتوري في مطار بغداد، وقاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، بطائرات مسيرة وصواريخ «كاتيوشا» بهدف بعث رسائل بأن القوات المتمركزة في العراق، صارت غير مرغوب بها في بلاد ما بين النهرين.
إلا أن الحكومة تعترض على هذه الهجمات وتدينها على لسان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فهل يذهب العراق إلى صدام بين الفصائل والقوات النظامية؟
منذ أن أعلنت أميركا نفسها، «قوات احتلال» عام 2003 بعد أن سيطرت على العراق بهدف تدمير أسلحة الدمار الشامل التي أعلنت أن صدام حسين يمتلكها (ولم تجد أي منها)، وهي تتعرض لهجوم المقاومة الشيعية والسنية، إلى أن خرجت عام 2011 عند تسلم الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض.
وكان هدف احتلال العراق ومن بعده الحرب على سورية، عزل بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين عن إيران لإخضاعهما للهيمنة الأميركية.
ولم تعد القوات الأميركية إلى العراق، إلا بطلب من حكومة بغداد بعد أن احتل تنظيم «داعش» ثلث البلاد تحت أنظار الولايات المتحدة المتفرجة. إلا أن الوجود الأميركي كان يحكمه اتفاق مع دولة العراق لمحاربة «داعش» وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعملاتي.
إلا أن القوات الأميركية لم تتردد بقصف وقتل قوات عراقية في عشرات الضربات في مختلف أنحاء البلاد وحتى وصلت إلى داخل المدن (كربلاء) وعلى الحدود العراقية - السورية. وكان آخرها اغتيال قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، والقائد في «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس.
ومنذ ذلك اليوم، قرر البرلمان العراقي بغالبية 173 صوتاً الطلب من الحكومة إخراج أميركا من العراق. ولهذا قررت الأحزاب الشيعية اختيار الكاظمي لهذه المهمة والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة.
وأعلن الكاظمي انه اتفق مع واشنطن على الانسحاب الكامل وإنهاء وجود القوات القتالية في 31 ديسمبر 2021. إلا ان المسؤولين الأميركيين ناقضوا الإعلان العراقي وأكدوا أن قواتهم لم تنسحب.
وقد أعطت المقاومة العراقية إنذاراً واضحاً وعلنياً لأميركا بسحب جميع قواتها قبل انتهاء المدة وإلا ستتعرض للضرب.
وبالفعل، بدأ التصعيد عبر الهجمات بالتزامن مع ذكرى قرار الرئيس دونالد ترامب باغتيال سليماني والمهندس، وهو التصعيد الذي يهدد بانفجار لا مفر منه إذا بقيت وتيرة الهجمات على كثافتها، وأدت الى مقتل أي جندي أميركي.
وهنا بيت القصيد، فالحكومة العراقية الحالية تودع أيامها الأخيرة بعد المصادقة على الانتخابات النيابية وتوافق الأحزاب المنتصرة في ما بينها لاختيار رئيس المجلس النيابي ورئيسي الجمهورية والحكومة.
وأحد البنود التي اتفقت عليها الأحزاب الشيعية - بطلب من السيد مقتدى الصدر الفائز بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً) - هو مصير الفصائل المسلحة والسلاح المتفلت.
إلا أن الاتفاق حصل على إنهاء وجود الفصائل والسلاح المتفلت بعد خروج جميع القوات المحتلة.
وهذا الاتفاق سيشمل من دون شك، القوات الأميركية، والتركية الموجودة في كردستان، وتالياً فإن أي رئيس وزراء مقبل لن يستطيع تحقيق انسحاب الأميركيين والأتراك في السنوات المقبلة، ما يعني بقاء الميليشيات والفصائل وسلاحها واستمرار العمليات ضد القوات الأميركية، مع احتمال التصادم الظرفي بين القوات العراقية النظامية والفصائل.
ولكن إلى متى ستحبس أميركا أنفاسها وتعض على جرحها؟ في اللحظة التي ترد على أي ضربة تصيبها، فإنها ستُعتبر قوات قتالية خارقة للاتفاق ولقرار مجلس النواب، وتالياً فإن الحكومة العراقية ستصبح ملزمة أمام جزء من الشعب الذي يريد ويطالب بخروج جميع القوات الأجنبية. وهذا ما سيعرض العلاقة العراقية - الأميركية للخطر.
إنه استحقاق ينتظر رئيس الوزراء الجديد وحكومته ويتحضر له العراق في سنة 2022 من دون أن يكون هناك تصوراً لحل هذه العقدة.
فأميركا لن تترك العراق، وبغداد لا تستطيع فرض خروجها من دون مقاومة.
وإذا حصلت المقاومة فسترفع واشنطن سلاح العقوبات في وجه بغداد، وتالياً يبقى الحل أن ترفض الحكومة العراقية ما تقوم به الفصائل من دون أن تتدخل بين الطرفين لكي لا تتحمل المسؤولية والتبعات... وتترك ساحة المعركة لمن يريد خوضها.