قامت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في الرابع والعشرين من نوفمبر الفائت بإطلاق مركبة أطلقت عليها اسم (السهم) من أجل الاصطدام بالنيزك (ديمورفوس) -لا يتجاوز حجمه حجم المدرج الروماني في روما - وحرفه عن مساره حتى لا يصطدم بكوكبنا الأرضي.
الارتطام بالنيزك متوقع في أواخر العام 2022، ومع أن المهمة تأخذ صفة علمية بالدرجة الأولى وتعكس مدى التقدّم العلمي الذي توصّل إليه البشر في علم الفضاء، إلاّ أنها تبقى متواضعة جداً وإن أضفى عليها الإعلام صفة حماية كوكب الأرض من الأجسام القادمة من الفضاء.
فماذا لوكان النيزك من الحجم الكبير الذي يبلغ كيلومترات عدة؟ النتيجة ستكون كارثية لكوكبنا الأرضي ولن تنفع معه محاولات ناسا في تفتيته أو حرفه عن مسار اندفاعه نحو الأرض، وهي حقيقة يعترف بها علماء ناسا ويأملون ألاّ تحدث لأنها قد تؤدي (لا قدر الله) إلى فناء البشرية والكائنات الحية الأخرى.
فقد حدث أن ارتطم كويكب بالأرض المكسيكية منذ ملايين السنين وأدى إلى فناء الديناصورات التي كانت تعيش على كوكبنا الأرضي قبل خلق الإنسان.
وما يضاهي عظمة ظاهرة النيازك التي لا يستطيع الإنسان التصدّي لها هو ظاهرة الثورات البركانية المنتشرة على كوكبنا الأرضي، والتي لا يملك الإنسان إلاّ تفادي مخاطرها قبل استفحال ثورانها بمغادرة مسكنه والابتعاد بعيداً عنها حتى لا تصل إليه ألسنة حممها الطويلة ومقذوفاتها التي تتطاير في أعماق السماء، ومع ذلك لم يخطر ببال الإنسان أن يحاول ردم فوهاتها لأنه يعلم أنه يعجز عن مجاراة عظمة قوتها وجبروتها.
ما زلنا نتذكر كارثتي تسونامي في العامين 2004 و2011 وهما زلزالان الأول في المحيط الهندي والآخر في المحيط الهادي قريباً من السواحل اليابانية، وقد تسببا في موت وتشريد عشرات الآلاف من البشر بعد أن اكتسحت أمواجهما العظيمة المساكن الساحلية في كل من أندونيسيا واليابان، وتسبب الأخير في تسرّب مستويات عالية من الإشعاعات النووية الخطيرة من محطة فوكوشيما النووية.
ويحاول البشر اليوم بناء مصدّات تقاوم أمواج البحر لكنها محاولات متواضعة قد تقلل من آثار الأمواج العاتية لكنها لا تقوى على صدها لو بلغت قوتها قوة أمواج تسونامي.
قد يشعر الإنسان بحالة من الزهو فيما حققّه من تقدّم علمي في السيطرة على تحديّات الطبيعة التي تواجهه في حياته المعيشية، لكنه يظل حبيس كوكب الأرض ضعيفاً لا يقوى على حماية نفسه من ظواهرها الطبيعية القاسية أو من رجم النيازك الآتية من الفضاء (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) الرحمن 34.