لا تتوقف أزمة اللاجئين طالما ظلت أوطانهم لا تنعم بالأمن والاستقرار. ولا يكاد يمر يوم دون أن تعرض وسائل الإعلام تغطية عن أحوال اللاجئين الذين يحاولون الفرار إلى دول الاتحاد الأوروبي.
مشهد اللاجئين العالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا أصبح على رأس النشرات الإخبارية هذه الأيام، وما يُثير الدهشة هو أن تتحوّل مأساة اللاجئين الإنسانية إلى قضية سياسية بين بيلاروسيا وبولندا دون أيّ شعور بين الطرفين بما يعانيه اللاجئون مع أطفالهم من أوضاع مأسوية تحت وطأة البرد القارس، وعدم توافر الماء والغذاء والمأوى، الأمر الذي أثار عليهم الشفقة لدى بعض مواطني بولندا، وبادروا بتقديم ما يحتاجونه من دواء وطعام وشراب للإبقاء عليهم أحياء، وهذا مما يثير الريبة بمصداقية حقوق الإنسان التي يتعاطاها الاتحاد الأوروبي.
ويُشكّل اللاجئون السوريون غالبية اللاجئين إلى أوروبا، وقد استقبلت كل من ألمانيا والنمسا والسويد أعداداً كبيرة منهم، لكن تلك الدول تراجعت في قبول المزيد منهم بعد اعتراض الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة، واستخدامها ورقة اللاجئين كتهديد ثقافي وضغط اقتصادي على الدولة في حملاتها الانتخابية التي تلاقي تعاطفاً كبيراً لدى شريحة واسعة من الناخبين، ما يضع اللاجئين في وضع مأسوي بين نارين: نار عودتهم إلى أطلال مدنهم المدمرّة بالبراميل المتفجرة، وبالقصف العشوائي بالصواريخ الروسية والإيرانية، واعتداءات المليشيات الطائفية المرتزقة، وأشباح السلاح الكيماوي التي تتراءى أمامهم، ونار رفض استقبالهم كلاجئين من قبل الدول الأوروبية التي تحوّلت إلى اتباع سياسة العنف لوقف تدفقهم إليها كما حدث في أستراليا ويحدث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا التي تستخدم مدافع المياه لإبعادهم عن حدودها دون أيّ شعور بالمسؤولية الإنسانية تجاههم.
يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة في تسبّبه بهذه المأساة لعدم تدخّله على الفور لوقف اعتداءات الأنظمة القمعية على شعوبها، وفرض حلول سياسية عليها لتأمين الاستقرار والأمن لتفادي موجات اللاجئين الفارين من جرائم تلك الأنظمة وتكاليفهم الخدماتية العالية التي تبخل غالبية دول العالم عن تقديمها.
رأينا ذلك التدخّل النادر عندما وضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خطوطاً حمراء للرئيس بوتين، وتحذيره من مغبة غزو جارته أوكرانيا حيث التزم بهذه الخطوط الحمراء ولم يتجرأ على تجاوزها، فما بالك بالأنظمة القمعية الضعيفة التي لا تُقارن قوتها بالقوة الهائلة التي يمتلكها الروس!