No Script

جودة الحياة

جيل يعيش العصر... ولا ينفصل عن الأصل

تصغير
تكبير

نعيش عصر الانفتاح، عصر السرعة والفضاء المفتوح، وتسويق النماذج السلبية، وتقديمها بقوة على أنها الأجدر بالاقتداء والأسوة.

كيف لنا أن نعمل كمجتمعات وأفراد وسط هذا المحيط المتلاطم من المعلومات المتدفقة على شاشاتنا وهواتفنا كغثاء السيل الذي تبثه طوال اليوم بعض وسائل التواصل الاجتماعي؟

بالطبع لسنا بمعزل عن العالم، ولا يمكننا تجاهل الآثار الناجمة عن تغلغل وسائط الاعلام الجديد في الفضاء الأسري والحيز الخاص على نحو ما شهدناه في الآونة الأخيرة.

لطالما كان التقدم التقني الذي دشنه عصر الإنترنت سلاحاً «ذا حدين»، فقد أصبحت الحياة أكثر تعقيداً على صعيد العلاقات الاجتماعية والأسرية بفعل تطبيقات الهواتف المحمولة، حيث زادت العزلة وانتشرت جرائم العنف الأسري والمخدرات والإدمان، في المقابل عزز تقدم البحث العلمي في الغرب من رفاهية المجتمعات الغربية ووصولها لمستويات غير مسبوقة من الرفاه الاقتصادي.

كيف نستطيع تربية جيل قادر على التعاطي الإيجابي الفاعل مع تحديات العصر في عالم يموج بالمتغيرات التكنولوجية والعلمية والمعلوماتية ؟

إن مفهوم التربية يتجاوز توفير الحاجات المادية كالطعام والشراب وحشو البطون بما لذ وطاب حد التخمة، وهي لا تعني أبداً أن يعيش الإنسان على مستوى الرغبات الأولية كالأنعام، فالتربية في المقام الأول مبادئ وأسس يتعين غرسها في وعي الأجيال الناشئة عبر الأسرة لخلق جيل متعلم، مثقف، مدرك لما عليه وما له من حقوق وواجبات، قادر على البناء والنهضة والتطلع للمستقبل، وعلى اتخاذ قراراته والتمييز بين الصواب والخطأ، لا ينجرف وراء أصحاب العقول والأفكار المنحرفة بحجة البحث عن الذات والاحتواء العاطفي.

فالأسس التربوية الصحيحة إنما تقوم على بناء العقل والروح قبل غذاء الأبدان والأجساد، فالتربية والتنشئة الاجتماعية هي ببساطة تدريب الأفراد على أدوارهم المستقبلية ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع عبر تلقيهم القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والاجتماعية والأعراف السائدة في المجتمع لمواجهة الحياة التي هي ليست نزهة برية، وإنما سلسلة من التحديات والأحداث الجسيمة والمنعطفات التي يمكن أن تعصف بالفرد والمجتمع لا سيما في عصرنا الراهن المليء بالنزاعات والحروب والاضطرابات.

وكلما كان العقل على درجة من الوعي والثقافة، يتمتع بالفكر الجيد، فلا شيء يمكن أن يقف أمامه، والأسرة هي النواة الأولى والحجر الأساس في صناعة جيل يعيش العصر ولا ينفصل عن الأصل، جيل يستطيع حماية نفسه وتحصينها بالالتزام الإيماني من السقوط في براثن الإدمان والمخدرات، والتطرف والغلو.

وثمة مقومات أخرى لبناء أجيال المستقبل بجانب الأسرة كالتعليم والإعلام وغيرهما من المؤسسات الاجتماعية، ولكن تبقى الأسرة هي الأساس في البناء كما أسلفت، وغياب دور الأم والأب وترك الأبناء بلا توجيه ورقابة واحتواء يوفر الحب والاهتمام والرعاية، سيعرض الكيان الأسري والمجتمع لخطر التفكك والانهيار، وانتشار الظواهر السلبية.

ولا يتوقف بناء أجيال المستقبل القادرة على التعاطي الإيجابي مع العصر كما قلت على مؤسسة الأسرة فحسب، إنما يتعداه إلى جهد الدولة وممارسة مؤسسات المجتمع المدني ذات الأهداف الاجتماعية والاقتصادية دورها الحقيقي والتي تعزز رفاه المجتمع وتحافظ على حقوق الأجيال القادمة في العيش ضمن بيئة إيجابية راقية وثقافة منتجة وفعالة.

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

Email: talmutairi@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي