هل «تحتل» إيران خمس عواصم عربية؟

تصغير
تكبير

«إيران تحتل خمس عواصم عربية: بيروت، بغداد، صنعاء، دمشق وغزة». هذه هي المقولة التي تتردد في أروقة العواصم العربية والغربية باستمرار. وإذا صحت تكون إيران وصلت إلى مرحلة من القوة والانتشار لم تصلها أي دولة في غرب آسيا. ولكن هل هذا الاستنتاج دقيق ويدل على حقيقة واقعية؟ كلام كثير صدر عن القيادة الإيرانية يؤكد أنها تَعتبر نفسها مسيطرة على خمس عواصم عربية. فقد قال وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد الشيخ حيدر مصلحي إن «إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية»، وأكد قائد قوات الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، أن «المسؤولين في إيران لم يتوقعوا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود لتمتد من العراق إلى سورية ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان».

وقال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني إن «إيران مستمرة في فتح بلدان المنطقة، وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسورية وفلسطين وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بلدان أخرى في المنطقة».

وتحدث الجنرال غلام علي رشيد أخيراً عن أنه خلال اجتماع القادة العسكريين، أكدوا أن «هناك ستة جيوش خارج إيران تدافع عن أراضي الجمهورية الإسلامية وأن من يريد مهاجمة دولتنا فعليه أن يمر من خلال ستة جيوش يحاربها قبل الوصول إلينا وهذا ما لا يستطيع أحد فعله. وهذه الجيوش موجودة في لبنان وفلسطين (حماس والجهاد الإسلامي) وسورية والعراق واليمن».

هذه هي بعض تصريحات القادة الإيرانيين الذين هدفوا من خلالها إلى إظهار نفوذ حقيقي تتمتع به إيران في منطقة غرب آسيا. إلا أن عدداً من النواب في البرلمان الإيراني اعتبروا أن هذه التصريحات تضر بالأمن القومي الإيراني وتضعف نفوذ طهران في المنطقة.

لا يمكن إنكار ما أكدته إيران بنفسها حول نفوذها في غرب آسيا. بل على العكس، فإن طهران تتوجه لأعدائها ولحلفائها لتقول إن قوتها لا تنحصر داخل حدودها وهي تتصرف مثل جميع الامبراطوريات التي حكمت دولاً عدة على مر العصور.

ثمة مقاربة براغماتية لهذا النفوذ تقوم على أن إيران، على عكس أميركا وروسيا، لم تؤسس القواعد العسكرية ولم تحضر الجيوش للاحتلال والتمركز داخل دول تدعي فرض إرادتها عليها، مثلما تفعل الدول العظمى بدول أصغر وأضعف منها.فإيران لا تحتل هذه العواصم بل استطاعة بناء علاقة قوية مع أطراف في هذه الدول وتتمتع بنفوذ لا يستهان به فيها. والقوى الحليفة لطهران تنظر إليها كممول وداعم لتحقيق أهدافها، التي تتلاقى في أحيان كثيرة مع أهداف الجمهورية الإسلامية في إيران.

في غزة، تعتبر فصائل المقاومة (حماس والجهاد) أن إيران - بالإضافة إلى تركيا ومصر وقطر ودول أخرى تساهم في دعم الفلسطينيين - هي إحدى الدول الداعمة لها. فإيران تقدم السلاح والمال وتنقل الخبرات العسكرية لتساعد الفلسطينيين على استعادة أرضهم المحتلة ومواجهة إسرائيل. وتعتبر هذه الفصائل أن طهران قدمت الكثير ولكنها لا تفرض أجندتها عليها لأن الهدف المشترك كافٍ.

وفي لبنان، يعلن «حزب الله» أن تمويله وتسليحه يأتي من إيران. وقد دعمت طهران حليفها اللبناني الذي يمثل شريحة مهمة من السكان ويغطي جزءاً لا يُستهان به من الخدمات الطبية والغذائية والنفطية والاجتماعية والحماية الأمنية للحدود، وهو ما تعجز الدولة اللبنانية عن تقديمه لشعبها.

ولا تحتاج إيران لاحتلال بيروت لأن «حزب الله» يجابه إسرائيل ويفرض توازن الردع عليها وهو يوجد حيث يتطلب «محور المقاومة» وجوده للدفاع عن هذا الحلف الذي يضم على رأسه إيران. ولا يستطيع الحزب احتلال لبنان، رغم فائض قوته العسكرية وتفوقها على الأجهزة الأمنية والجيش، وفائض قدرته الاقتصادية التي من المقدر لها أن تنمو أكثر في السنة المقبلة. وعدم القدرة تأتي أولاً من عدم الرغبة والجدوى الإستراتيجية وأيضاً بسبب تعدد الطوائف واستحالة إدارته البلاد وحده وهو معزول وتحت عقوبات مشددة عليه إذا ما تسلم إدارة الحكم مباشرة.

وفي سورية، لدى الرئيس السوري بشار الأسد دولة يدير أمورها ويتجه للانفتاح على دول المنطقة والعالم. إلا أن أميركا تمنع عودة الدول إلى دمشق لتعطي الحصرية لإيران (وروسيا) لتقديم الدعم اللازم لسورية. وهذا - إضافة إلى الدعم الإيراني اللامحدود طيلة أعوام الحرب الماضية - يتيح لإيران إقامة علاقة متينة وصلبة مع الدولة السورية، التي ستتجه مستقبلاً لتحرير أرضها المحتلة من إسرائيل في الجولان وستحتاج لأداء وأسلوب عمل المقاومة التي برع به محورها وأجاد استخدامه لتحقيق أهدافه. إلا أن إيران بعيدة عن فرض إرادتها على الدولة السورية ولا تقع سيطرتها على سورية من ضمن أجندتها بل ان النفوذ والعلاقات المميزة كافيان.

وقد بدأت أميركا برفع الأصابع الخانقة عن الاقتصاد السوري، ما تجلى بعودة الأردن إلى علاقة مميزة وتعاون غازي واقتصادي أكثر انفتاحاً من أي وقت مضى لا سيما خلال الأعوام العشرة الماضية. وها هي دول عربية أخرى ستعود قريباً إلى دمشق التي تفتح ذراعيها لاستقبال العائدين من الدول العربية والغربية. وستحصل في السنة المقبلة تطورات مهمة على صعيد الانفتاح على سورية، ما يزيد الدلائل على عدم السيطرة الإيرانية على دمشق، بل ان سورية دولة ذات سيادة ولها مصالح مع دول عدة تحتاجها للمساعدة في الميدان الاقتصادي ومعاودة بناء ما هدمته الحرب، وغالباً ما تصطحب المساعدات معها نفوذ لابد منه.

أما في العراق فالرابط الديني والجغرافي والحدودي والدعم الإيراني لبغداد يوم احتلت «داعش» شمال البلاد عوامل سمحت لطهران ببسط نفوذ لا يحتاج إلى دلائل في بلاد ما بين النهرين. إلا أن ذلك لا يمنع العراق من إقامة علاقات جيدة مع أعداء إيران لأن مصلحة بغداد تقتضي التوازن والانفتاح على العالم من دون تمييز (ما عدا إسرائيل). ومن المتوقع أن يتقلص نفوذ إيران يوم ينجز انسحاب القوات الأميركية من البلاد لتبقي على علاقة مميزة مع الدولة ومع حلفائها السياسيين من شيعة وسنة وكرد ومسيحيين بابليين.

وفي صنعاء، لقد سمحت الحرب الدائرة هناك منذ خمسة أعوام، بدخول إيران على خط المعركة عبر دعم الحوثيين العسكري وبالخبرات ما أتاح للنفوذ الإيراني التطور هناك. إلا أن الحوثيين أعربوا مراراً عن رغبتهم بعلاقات مميزة مع المملكة العربية السعودية ومع أميركا على الرغم من أعوام الحرب.

لقد أثبتت إيران نجاحها في العقود الأخيرة في بناء قوات لا يستهان بها من جماعات ودول تلتقي معها عبر أهداف مشتركة وأسست مناطق نفوذ ولم تأت بجيوش لتحتل العواصم العربية. بينما فشلت أميركا التي تملك 35 قاعدة عسكرية في المنطقة في التوصل إلى النتيجة الإيرانية عينها. فقد احتلت أميركا العراق وجزء من سورية وأفغانستان ولم تستطع كسب عقول وقلوب السكان، وتالياً فقد أثبتت إيران أنها لا تحتاج لاجتياح الدول التي تريد موطئ قدم ونفوذا فيها بل تكتفي بدعم حلفاء يقفون معها للدفاع عنها إذا لزم الأمر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي