No Script

خواطر صعلوك

قصة حياة حلمي حليم

تصغير
تكبير

قبل الـ(ما قبل)، وفي أزمنة طفولة العالم، خرجنا إلى الدنيا وكان حلمي حليم موجوداً... وكنا نتساءل - نحن صغار الحي - أيهما اكتشف أولاً... حلمي حليم أم الأكسجين؟

كان حلمي حليم مديد القامة برأس صغير وساقين دقيقين، وقلب كبير... وكان يصنع المعجزات، من دون أن يُظهر نفسه على أنه صانع معجزات، حتى في اليوم التالي لوفاته بعد أن صدمته سيارة وهو يعبر الشارع على قدميه ومعه معدات الرسم... لم يخرج من القبر ليقول للناس: هل رأيتم... أنا صانع المعجزات!

وعلى غير عادة الرجال، لم يكن يُفتتن بأجساد النساء، أو حتى شعورهن... بل كان يُفتتن بانتفاخ بطونهن، وكلما زادت شهور الحمل زاد إعجابه ويردد دائماً: الإعجاب المبرر الوحيد بالمرأة، يجب أن يكون كونها حاملة للحياة، هكذا تُقدر أكثر.

طوال حياته التي عاشها لم يُحسن حلمي حليم سوى ثلاثة أشياء فقط... إما أن يرسم على الجدران، وإما أن يلعب الكرة، أو يجتمع مع أصدقائه مساء ليضحكوا على كل شيء، وقد كانت له ضحكة غريبة تجعل من حوله يضحك على براءة ضحكته العفوية.

أما رسوماته فقد كانت أكثر غرابة، فقد كان يرسم خطوطاً بيضاء على جدران بيضاء، ويمرر الفرشاة حتى يجعل من الجدار الأبيض أكثر بياضاً، وكان أحياناً يضع نقطة صغيرة داكنة بالأسود أو الأزرق على الجدار كتوقيع له، يذكر نفسه والناس أن الكمال ليست غاية يود الوصول إليها.

ظل يلعب الكرة مع أصدقائه في ملاعب الشوارع ومراكز الشباب والدورات الرمضانية المحلية في نطاق المناطق... ولم يتمنَ يوماً أن يلعب مع المنتخب أو الأندية الكبرى... كان يردد للجماهير الشعبية التي تتحلق حول مباريات الشوارع: «لا أريد شيئاً... فقط أريد أن أمتعكم»!

لقد كان مديد القامة... ويصنع المعجزات دون أن يصنع لنفسه واحدة منها، فهو لم يسدد أي هدف طوال لعبه في الملاعب 50 سنة، حتى قبل اليوم الذي توفي فيه عندما صدمته سيارة على شارع رئيسي كان يعبره على قدميه، لم يُحاول أن يُوقف الزمن أو نفسه أو السيارة.

تزوج في عمر الأربعين، عندما أخبره أحد أصدقائه ذات مساء:

- لقد بلغت عمر الحكمة... حان وقت الزواج... أليس كذلك؟

- أعتقد ذلك... يبدو أني نسيت هذا الموضوع.

ثم يضحك... ويضحك أصدقاؤه على ضحكته.

كانت فرق كرة القدم تختاره لسببين... الأول لروحه الحماسية التي يبثها في الفريق، السبب الثاني وهو نادر الحدوث، حيث نادراً ما تخرج منه لمسه إبداعية من خلال تمريرة أو تخطٍ أو تسديدة، هذه ظاهرة نادرة الحدوث فهو دائما يخطئ ولكن لمساته الإبداعية النادرة كانت تشعل الملاعب الشعبية لمدة ثلاثة أشهر، من خلال أحاديث الجماهير قبل بداية كل مبارة بعد حدوث الظاهرة:

- هل تذكرون عندما قام حلمي حليم بهذه الحركة؟

ثم ينفجر الجميع ضحكاً.

قبل أن يتوفى تحت عجلات قائد سيارة يلعب بهاتفه، وتحديداً قبلها بيومٍ واحد، قدم عرضاً إبداعياً لا يمكن أن يُنسى، في الرسم ومع أصدقائه وفي الملعب.

رسم على جدار الحي حقلاً من الزهور، تحيط به ألوان وأصوات وروائح، وطحالب زرقاء وخضراء أخذت ملايين السنين لتنمو على يديه، وسدد هدفين، أحدهما من ضربة ركنية، والآخر من ضربة مرمى... وفي المساء مع أصدقائه ظل صامتاً لا يضحك.

هناك أشخاص يرحلون عن عالمنا ويتركون أثراً... رغم أنهم لم يفعلوا أي شيء سوى أنهم كانوا هنا.

رحمه الله..

@Moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي