No Script

خواطر صعلوك

باءُ الباب... في عظمة البائية!

تصغير
تكبير

طالما استوقفتني «الأبواب»... ليست في أشكالها ولكن في ما تستر وراءها... ولطالما استوقفتني «العتبات» في علوها وطولها، أو في عدم وجودها أصلاً، ففي وجود العتبة من عدمه دلالة للمكان الذي يستره الباب.

في الواقع لقد وقفت - وكثير مثلي بالتأكيد - أمام أبواب كثيرة، باب المدرسة وباب الطائرة، أبواب المساجد والكنائس والفنادق... باب البيت، باب المستشفى وباب غرف عملياته... باب غرفتك... باب أهل بيت الفتاة التي ترغب في الزواج بها... أبواب قاعات الانتظار، أبواب البنوك والعابرين خلالها، أبواب المتاحف والمقاهي والمكتبات والملاهي وأبواب السُفن وأبواب البيوت الأرستقراطية العريقة، المؤسسة من ثلاث طبقات كبيرة من الرخام الملكي المسبوك على يد تلامذة عهد هنري الرابع... أبواب المعاهد والجامعات وقاعات الدراسة، باب الصحيفة باب مسؤولك في العمل... باب الوزير... وباب الحرم... وباب المُلتزم في الكعبة.

تستوقفني «الأبواب» وأتأملها... والعتبات ومآلها.

الأبواب المغلقة كما الأبواب المفتوحة؛ تجعلني أقف أمامها، حتى أني أشعر على تلك التي كُتب عليها «أنت ممنوع» بمقدار ما أشعر تجاه كلمة «تفضل»... فأنا أقف أمام الأبواب والعتبات لمدة دقيقة أو دقيقتين... ليس اعتقاداً مني أنها من أصول اللياقة، بل لأني إذا لم أفعل ذلك أبدو كأبله أمام أصحاب المكان، فأحتاج إلى دقائق عدة قبل أن أستوعب المكان والناس الذين فيه، وهو ما سميته أخيراً «روح الباب».

إذا لم أعطِ الباب حقه والعتبة مقدارها، فستتملكني «روح الباب» في المكان، وأرتبك أمام المتواجدين.

لا تُبهرني الأماكن بمقدار ما أتوحد مع أبوابها وعتباتها... أقف ما بين «الخارج» و«الداخل» في حالة قد أسميها «الما بين».

كنتُ أصمت تجاه الأبواب لكي أنصت إلى نداء اللغة... فأدخل الأماكن مبهوراً بحرف الباء وعظمته، مسحوراً بأسراره.

باء الباب... هي باء الستر والمستور، وكل باء في اللغة هي إما ساتر وإما مستور، وكل حرف في اللغة له معنى في شكله ورسمه ودلالته... أقسم لكم بالله أن للغة أسرارها... ولا تخبروا الشرطة بذلك.

فالباب يستر ما خلفه، والأب يستر من وراءه، والبساط يستر ما تحته، والبحر يستر ما فيه، والصبر مستورٌ في القلوب كما الحب والكرب والكذب.

والرب ساتر لعباده، والبر ساتر لما أمامه، والقبر ساتر لمن فيه، والدرب يخفي أسراره، والقرب يخفي العيوب، والعيب مخفي ومستور في القلوب.

الباء... هي باء الستر حتى في رسم شكلها... فالنقطة مستورة أسفل الرسم... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

Moh1alatwan@

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي