No Script

رأي قلمي

المحيط الحضاري الأعظم...!

تصغير
تكبير

إن على كل كويتي عزيز وغيور يسأل نفسه: ماذا نريد من وراء الحركة أو الحراك بهذا المجتمع؟ هل نريد بناء جماعة مُصلحة مستقيمة أو حزب صالح رشيد، أو إنقاذ مجتمع من الفساد أو استئناف قيم العدالة والمساواة والأمانة والصدق، لتسود المجتمع وينعم بحياة متوازنة متزنة يسودها العدل والمساواة في الحقوق والواجبات؟. وحتى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن نستحضر أن شرعتنا في التعامل مع كل ما حولنا هي الإسلام بكل ما جاء به بناء الإنسان وإعمار الأرض وتوجيه الطاقات واستثمار الإمكانات.

ويجب أن نخلص من وراء ما سبق إلى تحديد الهدف الأعظم من وراء حركتنا، ثم نترك لكل واحد منا أن يختار هدفاً أو أهدافاً صغرى في مجال من المجالات التي تناسبه، مما يصبّ في النهاية في الهدف الأكبر.

إن بناء مجتمع حضاري شامل بحاجة إلى جهد كل كويتي مهما كان شأنه، معلم يثقف الأجيال، أو سياسي يقود الشعب، أو مهندس يعمر البنيان، أو طبيب يعالج المرضى، أو محامٍ يدافع عن المظلومين أو... أو. ونقصد هنا بالحضارة بمفهومها ومعناها الحقيقي، بما تحتويه من القيم، والمعتقدات، والتقاليد، والقوانين، والمعلومات، والفنون، والعادات، والسلوكيات، والإمكانات التي يحصل عليها الفرد في المجتمع. ومكانة كل واحد منهم تنبع من مدى توافر شرطي العمل الأساسيين: الأمانة والقوة.

والصورة النهائية للوضع الحضاري العام للمجتمع، ما هي إلا مجموعة انعكاسات الجهود المبذولة من مجموع الأفراد.

والبناء الحضاري أشبه بأن يكون بحيرة، ماؤها مجموعة قطرات وكل قطرة تضاف إليها ترفع من منسوب المياه فيها، كما أن كل قطرة تتسرب تخفض ذلك المنسوب، وإن كل كويتي يستطيع أن يسكب قطرات أو يرفدها بجدول يتدفق بحسب المكنة والطاقة. ومن هنا فإن النهضة مسؤولية جماعية، كما أن ما نعانيه من فساد هو ثمار تقصيرات وأخطاء كل كويتي، كل بحسبه، فكما أن قدرتنا على العطاء والبناء متفاوتة، كذلك إسهاماتنا في إجهاض التجربة الحراكية الحضارية متفاوتة.

إن أكبر مشكلة تعصف بجهود النزهاء المصلحين في هذه السبيل هي عدم القدرة على التمييز بين ما يسهم في تقدم المجتمع، وما يسهم في انحطاطه. فالإنسان قاصر عن إدراك الصورة الكلية، ومن ثم فإن تقويمنا للجهود متفاوت.

فكم من عمل يعده بعض الناس خيراً، على حين يعده آخرون شراً مستطيراً. وإذا ما أردنا أن نخص الحديث بالنزهاء المخلصين لهذا البلد، إن الشرط الذي نشترطه لطبيعة مساهمتهم في خدمة هذا البلد، هو أن يكون ما يصبونه في البحيرة متجانساً، فلا يصب بعضهم ماء، وبعضهم عسلاً، وبعضهم خلاً، فتكون النتيجة مزيجاً غريباً، لا نعرف كيف سنستفيد منه ولا لأي شيء سنستخدمه؟!

وبهذا السياق لا بد من الحديث عن ضرورة التفريق بين إدراك المنهج ومكوناته وإدراك الحِراك أو الحركة به وتهيئة المناخات والشروط الموضوعية لتمكينه في المجتمع وإغراء الأفراد بالاستمساك به.

إن إدراك المنهج ليس عسيراً على ذوي البصائر، لكن العسير حقاً هو فقه الحركة به، من حيث الإقدام والإحجام، والإسراع والإبطاء، ومن حيث ترتيب الأولويات وإقامة الموازنات واحتمال أخف الضررين وتحقيق خير الخيرين... وإنما كان ذلك معقداً جداً، لأن ظروف التطبيق وتنزيل نصوص المنهج المتبع وأحكامه عملية معقدة جداً.

وتشتبك في التأثير فيها عوامل كثيرة جداً، نفسية واجتماعية داخلية، وعالمية أخلاقية واقتصادية، ويزيد هذا الموضوع صعوبة أن تحسس مسائل الحركة بالمنهج يخضع لفهم السياسي وإدراكه، والنصوص في الموضوع متشعبة، والموجود منها عبارة عن توجيهات عامة مما يجعل اكتشاف أسلوب الحركة بالمنهج مسألة اجتهادية.

وأخيراً فإن المحيط الحضاري الأعظم للحِراك سيظل ضيّقاً على أولئك الذين لم يبذلوا أي جهد في تعلم العوم فيه. وسوف تظل السفن تصطدم في لججه ما دامت لم تنسق حركة سيرها بعضها مع بعض.

M.alwohaib@gmail.com

‏@mona_alwohaib

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي