أفغانستان... والدخول والخروج

تصغير
تكبير

ليس الدخول إلى أفغانستان مثل الخروج منها. كان مفترضاً في الجانب الأميركي، سؤال الجانب الروسي عن مثل هذا النوع من المغامرات العسكرية التي اعتقدت إدارة جورج بوش الابن أنّها ستكون نزهة.

المشكلة أن هذه النزهة الأميركية، التي بدأت بأحداث 11 سبتمبر 2001، أي بغزوتي نيويورك وواشنطن اللتين وراءهما «القاعدة» والإرهابي أسامة بن لادن، لم تنتهِ ولن تنتهي بالخروج عسكرياً من أفغانستان في التاريخ ذاته في 2021.

لن يكون الانسحاب الأميركي سوى بداية لفصل جديد من مأساة مستمرّة منذ إطاحة النظام الملكي في العام 1973 بواسطة محمّد داود قريب الملك ظاهر شاه. نفّذ محمد داود انقلاباً على ظاهر شاه لتبدأ بعد ذلك سلسلة من الأحداث ذات الطابع المأسوي.

توجت هذه الأحداث بالتدخل العسكري الأميركي للانتهاء من حكم «طالبان» التي آوت بن لادن وإرهابيي «القاعدة» ورفضت تسليمهم إلى الأميركيين بعد أحداث 11 سبتمبر.

أمضى الروس 10 أعوام في أفغانستان. سيمضي الأميركيون 20 عاماً، في أطول حرب في تاريخ الولايات المتّحدة... هذا في حال نفّذ الرئيس جو بايدن قراره بإنهاء الوجود العسكري الأميركي في سبتمبر المقبل.

في العام 1989، خرج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان مهزوماً أمام مجموعات من «المجاهدين» الذين ما لبثوا أن تقاتلوا في ما بينهم فاتحين أبواب كابول أمام «طالبان» بكل ما تحمله من تخلّف وجهل على كل الصعد، خصوصاً في ما يتعلّق بالتعليم وحقوق المرأة وكلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

كان الاتحاد السوفياتي، عندما باشر إرسال جيشه إلى أفغانستان في 1979، لا يزال قوّة عظمى. كانت الأسباب التي حملته على التدخل في أفغانستان متنوّعة. كان هناك خوف من أن تتحوّل أفغانستان إلى دولة إسلاميّة تهدّد الاتحاد السوفياتي من داخل بسبب وجود جمهوريات إسلامية سوفياتية مجاورة.

كذلك، كان هناك خوف من دور تلعبه الولايات المتحدة داخل عدد من الجمهوريات السوفياتيّة انطلاقاً من أفغانستان في ظلّ الحرب الباردة.

فوق ذلك كلّه، كانت 1979 سنة مليئة بالأحداث الكبيرة التي غيرت طبيعة المنطقة كلّها بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران وسقوط حكم الشاه. وجد الاتحاد السوفياتي نفسه أمام تحدّيات جديدة في ظلّ نظام إيراني جديد مصرّ على تصدير ثورته إلى خارج حدوده. ليس صدفة أن التدخّل الروسي الواسع بدأ في أواخر 1979...

برّر الرئيس الأميركي قرار الانسحاب من أفغانستان بأنّ هذه المسألة، ستكون مطروحة مستقبلاً، ولا بدّ من حسمها. في الواقع، كان الرئيس السابق ترامب يريد الانسحاب من أفغانستان في مايو المقبل، لكنّ كلّ خططه انقلبت رأساً على عقب بعد خسارته الانتخابات وبعد انشغال أميركا في السنة الأخيرة من عهده بوباء كورونا (كوفيد - 19).

استطاعت الولايات المتحدة في نهاية المطاف تحقيق بعض أهدافها في أفغانستان. قلبت نظام «طالبان» وما لبثت أن تولت تصفية بن لادن الذي تبيّن أنّه لجأ إلى باكستان.

من بين الأمور التي لم تستطع الولايات المتحدة عملها، رغم مرور 20 عاماً على تدخّلها، إقامة نظام ديموقراطي قابل للحياة في كابول. ليس سرّاً أن «طالبان» هي في الأصل نتاج تعاون بين الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إي) والاستخبارات العسكرية الباكستانية.

لكن ما لا يزال مطروحاً، أنّ أميركا فشلت في أفغانستان... لا يعود فشلها إلى أن «طالبان» احتضنت بن لادن بعد خروجه من السودان، وأن زعيم «طالبان» الملا عمر (تُوفي لاحقاً)، خرج عن السيطرة مع احتفاظ «طالبان» بامتدادها الباكستاني فقط.

هناك أيضاً عامل في غاية الأهمّية يتمثّل في أن الإدارة التي كان على رأسها بوش الابن ارتكبت خطأ خوض حربين كبيرتين في وقت واحد. فجأة، قررت الولايات المتحدة الربط بين «القاعدة» والعراق وأن تبدأ الاستعداد لحرب تستهدف التخلّص من صدّام حسين ونظامه. لا يوجد، إلى الآن، أي دليل يمكن الاعتماد عليه حقيقة على وجود رابط ما بين نظام صدّام و«القاعدة».

لم تركّز أميركا على أفغانستان والتحدّي الذي برز أمامها بعد إسقاط حكم «طالبان». في الواقع، أضاعت الإدارة الأميركية فرصة العمل على بناء نظام قابل للحياة في أفغانستان. أضاعت الكثير من الوقت والجهد في العراق وذلك لسبب غير معروف، إلى يومنا هذا، باستثناء الإصرار على تقديم خدمة إلى «الجمهورية الاسلاميّة» في إيران.

صحيح أن نظام صدّام حسين كان يجب أن يرحل، لكنّ الصحيح أيضاً أن الطريقة التي اعتمدتها أميركا في التخلّص منه كانت طريقة خاطئة، خصوصاً إذا نظرنا إلى ما تحقّق من نتائج... من أفغانستان إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية. لم تقدّر إدارة بوش الابن معنى خوض حربين كبيرتين في الوقت ذاته. لم تكن لديها خطّة واضحة لأفغانستان بعد إسقاط «طالبان» ولم تكن لديها أيّ تصوّر واقعي للنظام الجديد في العراق بعد رحيل صدّام حسين.

باختصار شديد، أدخلت أميركا نفسها في متاهات كانت في غنى عنها. ستظهر نتائج هذه المتاهات في أفغانستان نفسها مباشرة بعد إتمام الانسحاب العسكري منها. سيظهر على السطح أنّ النظام القائم، برئاسة أشرف غني، سيتهاوى وأن «طالبان» عائدة بقوّة إلى كابول وإلى المدن الكبرى كي يعم التخلّف والجهل أفغانستان مجدداً. في الحقيقة لن يتغيّر الكثير في أفغانستان نظراً إلى أن جذور التخلّف والجهل صارت ضاربة في العمق.

لا شكّ في أنّ واشنطن تنظر إلى الانسحاب العسكري من زاوية أخرى، هي زاوية التحديات الجديدة التي تواجهها في المرحلة الراهنة.

في الداخل، هناك «كوفيد - 19» والاقتصاد... وفي الخارج، هناك الصين.

وحدها الأيّام ستكشف هل عودة «طالبان» إلى كابول ليست بالأمر المهمّ. أكثر من ذلك، سيتبيّن عاجلاً أم آجلاً هل «طالبان» تغيّرت ولن توفّر المأوى لتنظيمات إرهابيّة من نوع «داعش» وغير «داعش» وبقايا «القاعدة» وكلّ ما خرج من رحم «الإخوان المسلمين» منذ نشأة هذا التنظيم في العام 1928...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي