No Script

رواق الفكر

سيبها لله

تصغير
تكبير

قال تعالى: «فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً».

يقتلنا - نحن الأفراد والشعوب والأمم - الظاهر المحسوس من أحداث ومواقف وأشياء أمامنا ونحونا...نخاف ونحزن إن كان شراً، ونفرح ونسعد إن كان خيراً.

انظر إلى قصة أم موسى عليه السلام حين ألقته في اليمّ، لا شك أن ذلك كان عسيراً عليها... وبعد قلق طبيعي لم تفتش ولم تسأل... فألقته في اليمّ، وقد ربط الله على قلبها وثبّتها، ثم التقطته أسرة فرعون، وربّته واعتنت به على الشكل المعروف في القرآن، وألقى الله عليه المحبّة ثم في قلوب خلقه.

والنتيجة بعد عقود من الأزمات والصراعات والمكائد، يكون خلاص الأمة الإسرائيلية وإنقاذها بيد موسى وعصاه، وهلاك فرعون الظالم وجنده... والأمر كله بيد الله!

الإفراط في البحث والتحليل وتفسير كل شيء ولأيّ شيء سيتعبك، فلا تلتفت إلّا إلى الظواهر... وإلّا ستندم وتيأس! وما يقع للإنسان - من وجهة نظري - هو قدر الله المكتوب والذي نؤمن به ونرضى، فكثير من الأحداث والأشياء التي تدور حولنا، إنما حدثت بسبب ما؛ علِمها مَنْ علِمها وجهلها مَنْ جهلها... والبحث في كل شيء عن السببية مرهق، والتفتيش المُضني عن تفسير الوقائع يبعد أحياناً عن جوهرها.

لماذا حدث، وكيف حدث؟... إنما هو عبث قد يقتل صاحبه، فالتسليم لمراد الله، وتفويض الأمر له... راحة للعقل والضمير. والصحيح أن ننظر إلى العِبر والمواعظ مما أصابنا وبلينا به... وننهض للاستفادة من الزمن المتبقي للعمل من جديد.

علينا من العمل ما نطيق والنتائج بيد الله، ومَنْ استعجل الثمر قبل أوانه عُوقب بحرمانه... هكذا تعلّمنا.

شخصياً أنا مؤمن أن كثيراً من البلاوي والشرور، التي تحدث في العالم في باطنها خير كثير للبشرية والإنسانية جمعاء. قد لا ندركه الآن... لكنّ المدبّر الحكيم يُقدّر الأشياء ويضع الموازين... حتى ما أصاب العالم جرّاء هذه الجائحة... وارتدادات ذلك على المجمل العام في الموت والحياة والبشرية، لابد أن يكون فيه خير كثير ولو بعد حين.

دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاءُ

فهل توقّع يوسف عليه السلام أن يكون وزيراً لعزيز مصر، وهو في غيابة الجبّ وحيداً بعد خيانة إخوته له وغدرهم به! المؤكد أن كمال التسليم لإرادة الله وأمره وقدره كان يملأ جوانح الفتى الصغير عليه الصلاة والسلام... وهل توقّع السيّارة الذين حملوه بعد أن شروه بثمن بخس ودراهم معدودة، أن يكون بين أيديهم مستقبل مصر والعالم حوله؟

وهل دار في رأس محمّد - صلى الله عليه وسلّم - الشاب أثناء رعيه للغنم في مكة أن الله يهيئه رغم يُتمه ومعاناته وخلواته ليجعله راعياً لأمة عظيمة ستسود ما تحت أديم السماء بعد عقود قليلة من الزمان؟! (إذا أراد الله أمراً... هيّأ له أسبابه). قد يحدث أمر ما لك في أوّل حياتك ولا تعرف لماذا حدث...؟ ثم تكتشف بعد 30 عاماً آثار ذلك وانعكاسه... لأن كل شيء بقدر الله... ولا صدف في الحياة، ولا عبث في حركة الكون من النجوم والكواكب والكائنات بما فيها الإنسان... «إنّ كل شيء خلقناه بقدر».

حتى الورقة التي تسقط من الشجر إنما هي بأمر من الله وبعلمه... ولك أن تتخيّل كم هي الأوراق... عددها وأنواعها... وما هي آثارها! والأمراض والأوبئة... الموت... الحروب... الفيضانات والزلازل... كل ذلك لم يُخلق ويحدث عبثاً، كل شيء يحدث بأمر الله وبقضائه وقدره... من الولادة إلى الوفاة، وما بينهما من سعيك وسيرك في الحياة ومرضك وشقاوتك أو سعادتك، وليس معنى ذلك ألّا نعمل بالأسباب، بحجة أن قدر الله قد كُتب... كلّا فترك الأسباب جنون!

فقط كل ميسّر لما خُلق له... لنعمل وأعيننا على المستقبل... ويقيننا أن الحافظ هو الله... والماضي والحاضر والمستقبل بيد الله... ما مضى فات والمؤمل غيبٌ، ولك الساعة التي أنت فيها، لنطمئن أن حياتنا بيد الله أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين... وهو ربنا لا إله إلا هو... فلا تحزن أيها الإنسان على نفسك ومستقبلك وأولادك وأهلك، فالملك لله وبيد وحده.

فأنت لا تملك حتى النسمة التي تخرج من فيك، وإنّا لله جميعاً... وإنّا إليه راجعون، فقد رُفعت الأقلام وجفت الصحف... والله المستعان.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي