No Script

اتجاهات

دلالات تخفيض أميركا لقواتها العسكرية في الخليج

تصغير
تكبير

في خطوة وصفت بالمفاجئة لدى بعض الخبراء، والمتوقعة لدى آخرين، أمر الرئيس بايدن البنتاغون بسحب جزئي للقوات العسكرية العاملة في الخليج.

شمل هذا التخفيض حتى الآن - بحسب ما جاء على لسان مسؤولين أميركيين، وصحيفة وول ستريت جورنال «أول من سربت أخبار هذا القرار»- سحب حاملة الطائرات الأميركية «أيزنهاور» من الخليج، وثلاثة أنظمة بطاريات مضادة للصواريخ من الخليج، واحدة منها تم نشرها العام الماضي في قاعدة جوية سعودية.

وبحسب الصحيفة أيضاً، من المقرر أن تستأنف واشنطن سلسلة تخفيضات عسكرية أخرى في المنطقة بحلول نهاية العام، قد تشمل أنظمة دفاع وردع ذكية وصاروخية، بل قد يصل هذا التخفيض إلى سحب ما يقرب 50 ألف جندي أميركي من القواعد العسكرية من الخليج.

رغم أن قرار التخفيض جاء سريعاً وفي ظل وضع شديد الالتهاب في منطقة الخليج. ومع ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه بالمفاجئ.

فالمتابعة الموضوعية لتفاعلات واشنطن في المنطقة منذ ولاية أوباما تشير بجلاء إلى تحوّل شبه جذري لمضامين إستراتيجيات وسياسات وأهداف واشنطن في المنطقة برمتها، وليس الخليج فقط الذي يرتبط بتحالف إستراتيجي مع واشنطن.

إذ بدا جلياً أن المنطقة لم تعد بالأولوية الإستراتيجية ذاتها لواشنطن، حتى وإن بقي التواجد العسكري القوي لها فيها، لكنه تواجد بلا فعالية قوية في تهدئة استقرار المنطقة، ويندرج في سياقات إستراتيجية أخرى لواشنطن بعيداً تماماً عن مصالح المنطقة الحيوية واستقرارها.

فبقاء أزمات المنطقة الشائكة على حالها على مدار عقد تقريباً - وتحديداً الأزمات السورية واليمنية والليبية - دليل دامغ على وجود عسكري أميركي بلا فعالية، ويعكس في طيّاته تدنّي أولوية المنطقة لواشنطن.

وهذا التدنّي يمكن قراءته في سياقين:

الأول: انخفاض الأهمية الإستراتيجية لنفط المنطقة.

والثاني وهو الأهم: تضخّم قوة التهديد الإستراتيجي الأعظم لواشنطن وهو «الصين» في آسيا.

إذ بدا جلياً منذ ولاية أوباما أن منطقة «آسيا- باسيفك» أضحت محط التركيز الإستراتيجي الأول لواشنطن، لإضعاف هذا التهديد الصاعد المهدّد الأوّل للهيمنة الأميركية في النظام الدولي.

فقد علقت إدارة بايدن على قرار تخفيض القوات العسكرية، بأنه استجابة للتهديدات في العالم، وتقصد هنا من دون ذكرها تحديداً «الصين».

وفي معرض التعليق على أثر هذا القرار على أمن الخليج والشراكة الإستراتيجية بين الخليج وواشنطن، خرجت تصريحات من مساعد وزير الخارجية الأميركي تحمل قدراً كبيراً من التناقض الصارخ، إذ شدّد على أن حماية أمن الخليج لا تزال التزاماً راسخاً لواشنطن، لكن المسؤول نفسه شدّد في حديثه أيضاً على أن شركاء أميركا الخليجيين قادرون على الدفاع عن أنفسهم عسكرياً، حتى من دون الحاجة إلى قوات عسكرية على الأرض. وتصريحات من هذا القبيل ليست جديدة، إذ قالها أوباما وترامب صراحة مشددين على ضرورة أن يتولى الخليجيون مهام حماية المنطقة بأنفسهم وبمساعدة أميركية ودفع ثمن هذه الحماية.

بالقطع تصريحات واضحة كتلك، مترافقة مع قرار التخفيض، ومتزامنة أيضاً مع محاولات أميركية - أوروبية حثيثة لعودة الاتفاق النووي الإيراني، الذي هو العنوان الرئيسي لمدى تدنّي الأهمية الإستراتيجية للمنطقة في حسابات واشنطن، كما تشير إلى دلالة قاطعة مؤداها المزيد من التدنّي.

كما أن هناك دلالة قاطعة على مزيد من التركيز الإستراتيجي على التهديد الأعظم الصين.

فقرار التخفيض قد جاء بعد بضعة أيام فقط من محادثات ألاسكا الساخنة بين واشنطن وبكين، وزيارة وزير الدفاع الأميركي على خلفية هذه المحادثات إلى ما يسمى دول تحالف «كواد»، لتدشين ما يسمى بـ«الناتو الآسيوي» بهدف التصدي للتهديد الصيني.

قرار التخفيض السريع - غير المفاجئ والمتوقع استمراره - ينذر باستمرار إدارة بايدن على حال أسلافه في إهمال تام للمنطقة، بل ربما سيزيد هذا الإهمال إلى درجات أشد ضراوة بسبب اشتداد قوة وخطر الصين، كما عكسته بوضوح خلال نبرة ثقتها وحزمها العالي أمام تعليقات واشنطن في محادثات ألاسكا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي