No Script

اجتهادات

شهرة في دقائق!

تصغير
تكبير

يروي ابن الجوزي في أحد كتبه أنه بينما كان الحُجّاج يطوفون حول الكعبة ويغرفون الماء من بئر زمزم، قام أعرابي بخلع ملابسه السفلية وبال في البئر وسط الزحام.

انهال الناس على هذا الأعرابي بالضرب حتى كاد أن يفقد روحه، ولولا حرّاس الكعبة لكان ميتاً لا محالة.

وبعد أن أنقذه الحراس، حضر الأعرابي إلى أمير مكة فقال له: قبّحك الله لِمَ فعلت هذا؟ فردّ عليه حتى يعرفني الناس ويقولوا هذا الذي بالَ في بئر زمزم!

وفي ستينات القرن الماضي ذكر الرسام الأميركي الشهير أندي وورهول في إحدى مقابلاته أنه في المستقبل سيتمكّن الناس من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط! وبعد خمسين عاماً تحقّق توقّعه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حيث بلغت عدد مرات الدخول على «الفيسبوك» نحو 900 ألف مقابل 46 ألف صورة في «الإنستغرام» و452 ألف تغريدة في «تويتر» وكل ذلك في دقيقة واحدة فقط!

وما بين زمن الأعرابي مروراً بتوقّعات وورهول إلى زمننا هذا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، تنوّعت الوسائل والوسائط والنتيجة واحدة، شهرة زائف يتبعها غاوون مساكين!

لا أجد أظرف من قصة الطالبة المصرية سارة أبوالخير مثالاً على ذلك.

فقد نشرت عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن وكالة ناسا قد استجابت لفكرتها بتحويل منصة إطلاق الصواريخ إلى حفل للشواء، والقيام بشواء الدجاج واللحوم تحت محركات هذه الصواريخ ليتناول العالم المشويات في أقل من دقيقة!

هذا الخبر لقي صداً واسعاً من قبل بقية روّاد الموقع من المصريين، بعد أن زادت سارة بالقول إن شركة نتفلكس طلبت مرافقتها لتصوير هذا الحدث العالمي، وأن موقعاً إخبارياً شهيراً سيقوم بتغطية هذا الحدث، وأن الطاهي العالمي جوردان جرام سيقوم بعملية الشواء!

تقول سارة إن الكثير من وسائل الإعلام المصرية من صحف وقنوات إعلامية وكذلك عالمية، تواصلَ معها للتحقيق في هذا الخبر ونشر تفاصيله، وأن عروضاً كثيرة انهالت عليها بعد أن وجد خبرها تفاعلاً غير مسبوق من المصريين، إلا أن كل ذلك كان كذبة، أرادت أن تختبر بها قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق شهرة زائفة في أقل من دقائق!

ونحن لسنا ببعيدين عن ذلك، فواقع الحال لا يحتاج إلى أي دليل بعد أن فتكت وسائل التواصل الاجتماعي بمجتمعنا، الذي كنّا نتغنّى بعاداته وتقاليده.

يقول ابن خلدون: (إن حب الشهرة يشلّ حركة المجتمع الإيجابية، ليحولها إلى شكليات ومظاهر ومسرحيات، يخادع بها بعضهم بعضاً، فالشهرة حين تصير غاية في ذاتها، فمعنى ذلك تفشي الكذب والنفاق والخديعة والتصنُّع، وغياب القيم الحقيقية)! والله من وراء القصد!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي