No Script

سافر إلى ذاتك

خالي الشهيد يوسف اليعقوب... أستودعك الله

تصغير
تكبير

في منتصف أغسطس 1990 أذكر هذا الأمر جيداً، كنت أتجوّل في شوارع الكويت أثناء الغزو العراقي، في يوم صيفي حار، مع جدتي المتوفاة سارة الطاهر التي كانت تطرق أبواب البيوت باحثة عن ابنها المفقود، تارة يخبرونها أنه في السعودية، وتارة يخبرونها أنهم رأوه يصوّر ويوثّق أحداث الغزو، وآخرون يجيبون بالنفي وأنهم لا يعرفون عنه شيئاً!

لم أكن - وأنا ابنة الخامسة في ذاك الوقت - أملك التصوّر الكافي لمشاعر جدتي، أو تلك الغصّة التي سكنت جدّي في محاولاته اليائسة لإيقاف زوجته عن البحث والتقصي، لتترك الأمر له ولأخوته، ولكنّها لم تكن تستجيب. لم أملك حينها ولحظتها استيعاباً كافياً لما نحن فيه في تلك الفترة الزمنية، التي هي فترة الغزو العراقي.

كل ما كنت أفهمه أنّ يديها كانتا باردتين، وأنّنا كنّا نجلس بين الحين والآخر وهي تبكي خوفاً عليه، وتعود لتجمع شتات مشاعرها لتبحث عنه.

جنّدت الجميع في البحث عنه، وكانت هي الشخص الأكثر بحثاً عنه، تسأل الجميع الأسئلة نفسها وتحصل على الإجابات نفسها، وتعيد الأسئلة نفسها مرّات ومرّات، لقد جلست تنتظره سنين لم تفرح فيها بأي مناسبة، وكل مناسبة تحتوي ذكرى الغزو كانت توجعها أكثر، فابنها لم يكن أسيراً بشكل رسمي، ولا شهيداً بصورة حتمية، كان مفقوداً لا خبر عنه ولا أخبار تصلها.

وفي رحلة الـ 31 سنة الطويلة التي عشتها مع جدتي وجدي، وحضرت وعشت وتعايشت مشاعرهما في انتظار ابنهما، توفاهما الله مودّعين الحياة الدنيا بأملٍ مفقودٍ.

كانت السنة الماضية هي سنة فقداننا لجدي، وسبقتها بخمس سنوات جدتي، وظهرت هذه السنة وفاة ولدهما، وكأنّ الألم يرفض أن يسقط الأمل من بريق أعينهما التي انتظرته كل هذه السنين، والأمل الذي كان بقلبيهما كل لحظة وحين. وكأنّ الألم خجل من وجعهما، فترك سنوات طوالاً تداوي الآلام عنهما.

رحمهما الله بعدم وصول رفاته في حياتهما، ورحمتهما السنين في أخذ مساحة القبول اللازمة في تقبّل أي فجيعة تحدث.

(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران (169).

بكل فخر أزفّ لكم خبر استشهاد خالي، بطل الكويت، الجسور، رجل الموقف الصعب، الشهيد يوسف يعقوب محمد اليعقوب، الذي قدّم روحه فداء للكويت الحبيبة، ودافع بجسارة عن بيت كل كويتي، فقد تلقّينا خبر استشهاده بألم وصبر، وهو البطل الذي تصدّي لمن أراد إهانة كرامتنا والتعدي على شرف كلٍّ منا، وسلب أرضنا وممتلكاتنا، كما أنّه شارك بشجاعته لصد كل ألم عنّا، أنا اليوم أشارككم بطولته لنتشارك بالدعاء له، فيا رب تقبّله قبولاً حسناً، وارزقه منزلة العليين، وأسكنه الفردوس الأعلى مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء.

Twitter &instgram:@drnadiaalkhaldi

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي